المشركون والدولة الاسلامية :
التعامل مع المشركون و غير المسلمين في الإسلام :الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصَحْبه أجمعين، وبعد: فإن الإسلام دين يدعو إلى كل خير، ويَنهى عن كلِّ شر؛ يدعو إلى الإحسان إلى الناس كافَّة، والتعامل معهم بالحسنى؛ على أساس أن الجميع خلق الله تعالى، وأن أحبَّ الخَلْق إلى الله أنفعهم وأجداهم لعياله؛ لذا أمر الرب – عز وجل – عبادَه – والناسُ كلهم عبادته طوعًا أوكرهًا – أن يقولوا التي هي أحسن وأطيب؛ يقول – عز وجل -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]، يريد الربُّ – عز وجل – أن يُبيِّن للناس أن الشيطان يتربَّص بهم الدوائرَ، ويتمنَّى أن يَنزَغ بينهم، ويجعلهم عُرْضة للخِصام والجدال والسِّباب والقتال، فالقول الحسن – الذي هو أصل التعامل وأساسه – يُسبِّب الأُلفة والمحبَّة، ويُعقِب الرحمة والمودة في القلوب والصدور، ويقول – عز وجل -: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 83]، فلننظر في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قدَّم القولَ الحَسَن للناس على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ونُدرِك أهميةَ التعامل الحَسَن مع الناس في الإسلام، وفضله على سائر الأحكام الفرائض والواجبات، وعندما ذكر الله تعالى عبادَه الصالحين وما اتَّصفوا به من صفات حسنة وأخلاق طيِّبة، ذكَر في مُقدِّمتها وطليعتها: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾، يقول ابن كثير – رحمه الله -: إذا سَفِه عليهم الجُهَّال بالسيئ، لم يُقابِلوهم عليه بمِثله، بل يَعفُون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، وكما قال – عز وجل -: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [القصص: 55]، والإسلام لا يُفرِّق في التعامل الحَسَن بين المسلم وغير المسلم، سواء كان مشركًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا؛ حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء… )) الحديثَ، وصيَّة من رحمة الله للعالمين بالغة، ودعوة منه صارمة، إلى التعامل الحَسَن مع سائر الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم حتي وان كانو المشركون ، واختلاف مذاهبهم وأديانهم، بالرحمة والألفة، والمودة والرأفة، ويَضمَن صلى الله عليه وسلم للقائمين بهذا التعامل الحسن الرحمةَ من الله – عز وجل – في الدنيا والآخرة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا ويؤذونهم في أنفسهم وأموالهم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا))، ولقد أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى كلِّ شيء، إنسانًا كان أوحيوانًا، قريبًا كان أو بعيدًا، مسلمًا كان أو كافرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدكم شفرتَه، وليُرِح ذبيحته))، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((في كل كَبِد رَطْبةٍ أجرٌ))، وجعل صلى الله عليه وسلم كلَّ جُهْد وسَعْي يَبذُله الرجل المسلم فيستفيد منه إنسان أو دابة أو طائر، إلا كان له صدقة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم غرس غرسًا، فأكل منه إنسان أو دابة، إلا كان له صدقة))، والإسلام لا يسمح لأتباعه بسوء التعامل مع الطير أو الحيوان، فضلاً عن الإنسان، روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حُمَّرَة – وهي طير صغير – تَفْرُش لما أخذ بعض الصحابة ولدَها، فقال: ((مَن فجَّع هذه بولدها؟! رُدُّوا ولدَها إليها)).