بدء الوحي الحلقة 4 للشيخ راغب السرجاني
الحمد لله رب العالمين ، أحمده على نعمه التي لا تحصى عددا ، وأعظمها نعمة بعثة سيد الأولين والآخرين للناس كافة ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الجهل إلى العلم ، فلك الحمد يا رب العباد ، على أن جعلتنا من أمته ، وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أشرف العالمين نسبا ، وأحسنهم خُلُقا ، وأجملهم خلقا ، وأطهرهم قلبا ، وأزكاهم نفسا ، وأفصحهم منطقا ، وأقربهم إلى الله مقاما ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يتجدد بها إيمان المؤمنين ، وتنشرح بها صدور المكروبين ، وتنقشع بها الغمة عن هذه الأمة يا رب العالمين.
” يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ” (لقمان) أما بعد فيا أيها الأحباب: انتهى بنا المطاف في سيرة الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تحكيمه عليه الصلاة والسلام في قصة الحجر الأسود، وحكمته في ذلك التحكيم.
وتدور الأيام وتبدأ مقدمات بدء الوحي متمثلة في سلام الحجر والشجر عليه فقد روى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتداه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته تبعد عن بيوت مكة وبطون أوديتها فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال : ” السلام عليك يا رسول الله ” قال : فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة ، و عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن ابعث ، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .
ولنستمع إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي تحدثنا عن بداية نزول وإشراق الوحي فتقول:
( أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء، يتحنث (يتعبد) فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } (العلق3:1)، فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان امرًأً تنصر بالجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة : يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رأى، فقال له ورقة : هذا الناموس(جبريل عليه السلام) الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا (شابا)، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: أَوَ مُخرجي هم؟، قال نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي ) (البخاري). بدء الوحي