تسبب الكثير من الأمور التي تتعلق بسجود السهو، شعوراً بالحيرة للكثير من المسلمين، ولعلك يا عزيزي واحد منهم، فرغم تعلق هذا الأمر بصحة الصلاة، التي هي عماد الدين، وثاني أركان الإسلام، إلا أن الكثير منا لا يعلم عنها معلومات كثيرة.
حتى الآباء والمربين أثناء تعليم أركان الصلاة للصغار، ينسون تماماً تعليمهم سجود السهو، كيفيته ومواضعه، وما يرتبط به من معلومات هامة، قد يحتاج إليها كل مسلم، حريص على أداء صلاته بشكل سليم يرضي الله سبحانه تعالى.
وقد لا يخبرونهم بوجود ما يسمى بذلك في ديننا من الأساس، لذا يبحث الكثير من الناس عن إجابات واضحة وصريحة، عن هذا الأمر، حرصاً على صحة صلاتهم، التي يرجون من الخالق قبولها، فتابعنا لتعرف معلومات أكثر
اقرأ أيضاً : ماهي مبطلات الصلاة ومكروهاتها عند المذاهب الأربعة
كيفية سجود السهو
يعد سجود السهو عبارة عن سجدتين متتاليتين، يفصل بينهما جلسة، وهم متشابهتان تماماً مع السجدتين اللتين يقضيهما المسلم في كل ركعة يصليها، في صلاته العادية، غير أنه ينوي هنا سجود السهو، لجبر ما قصر فيه في صلاته.
ويرى أصحاب المذهب الشافعي أنه يكون بعد التشهد الأخير في نهاية الصلاة، وقبل إنهاء الصلاة بالسلام، وكذلك يرى أصحاب المذهب الحنبلي أيضاً، فضلاً عن أنهما يرون أن هناك بعض الحالات التي يكون فيها سجود السهو بعد التسليمتين، ويلحق بسجود السهو إلقاء السلام مرة أخرى.
أما أصحاب الفقه الحنفي فيرون أن سجود السهو يكون بعد أن يسلم المسلم عن يمينه، ثم يؤدي السجدتين ويقول التشهد ويسلم، كما يرى المالكية أيضاً أن سجود السهو يكون قبل السلام إذا كان جبراً لنقص في الصلاة، وبعده إذا كان بسبب زيادة في أحد أركان الصلاة، ويتبعهما قول التشهد.
والدليل على ذلك ما قد ورد لنا عن الإمام النووي رحمه الله، حيث قال: “سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ، وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الافْتِرَاشُ، وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ، وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلاةِ”.
ماذا يقال في سجود السهو
لا يختلف ما يقوله المسلم في سجود السهو، عن ما يقوله أثناء السجود المعتاد في الصلاة، حيث يقول المصلي سبحان ربي الأعلى، ويقوم بتكرارها ثلاث مرات، فلم يرد لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته الكرام نص معين يتوجب قوله في سجود السهو، فحتى في حالة قول المصلي أي شيء أثناء سجود السهو، فصلاته صحيحة.
حالات سجود السهو
يرى بعض العلماء أن سجود السهو يكون قبل السلام، باعتباره جزء لا يتجزأ عن الصلاة المفروضة، مع جوازه بعد السلام أيضاً، ولكن قبل السلام أفضل، ويستثنى من ذلك حالتين، وهما كالتالي:
الحالة الأولى
وتتمثل الحالة الأولى في سلام الفرد من الصلاة لنقص، ثم تذكره أنه قد نسي، فعليه في هذه الحالة أن يتم صلاته، ويسجد سجدتين السهو، والدليل على ذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين، أنه قد أتم صلاته، وأتبع ذلك بالتسليم، ثم سجد سجدتين للسهو، ثم سلم مرة أخرى، ولكن لا مانع من السجود قبل التسليم.
الحالة الثانية
أما الحالة الثانية التي يفضل فيها سجود السهو قبل السلام، فتتمثل في بناء المصلي على غالب ظنه، والدليل على ذلك ما قد ورد لنا في صحيح البخاري، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قد ذكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته؛ فليتحر الصواب؛ فليتم ما عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين).
أي أنه إذا شك المصلي أنه صلى ثلاث ركعات أو أربع، وغالب على ظنه أنه قد صلى أربع، وأكمل صلاته على ما قد غلب ظنه، فيفضل في هذه الحالة أن يكون سجود السهو بعد التسليمتين، ولا مانع من أن يكون قبل التسليم أيضاً، أي أنه في حالة بناء المصلي على غالب ظنه، يفضل أداء سجدتين السهو بعد السلام، أما إذا بنى على يقين، فيفضل سجود السهو قبل التسليم.
هل يجوز سجود السهو بعد الصلاة بفترة
تعددت أراء الفقهاء حول مسألة نسيان المصلي أداء سجدتين السهو، ومرور فترة من الوقت قبل تذكره، وإليك هذه الآراء فتابع:
رأي أصحاب المذهب الحنفي في سجود السهو
قد أفتى أصحاب المذهب الحنفي بجواز سجود السهو، ما دام المصلي لم يخرج من المسجد.
رأي أصحاب المذهب المالكي في سجود السهو
أما أصحاب الفقه المالكي، فقد رأوا جواز هذا الأمر مادام المصلي لم يفارق المسجد، وذلك في حالة السجود القبلي، أي قبل التسليم، أما في حالة السجود البعدي أي بعد التسليم، فيجوز أداء سجدتين السهو عندما يتنبه المصلي، حتى بعد مرور أعوام.
رأي أصحاب المذهب الشافعي في سجود السهو
أما أصحاب المذهب الشافعي فقد أقروا بسقوط سجدتين السهو عن المصلي، إذا خرج من المسجد، أو انتقض وضوئه، أو مرت فترة زمنية بعد السلام، أو نسيهما، فلا إثم عليه في هذه الحالات، وصلاته صحيحة.
سجود السهو في النوافل
لا فرق بين أحكام سجود السهو في النوافل، عن حكمها في الصلوات المفروضة، فقد أقر أصحاب المذهب المالكي ذلك، واستثنوا من ذلك مسائل خمس، وقد أشار الحطاب إليها في كتاب مواهب الجليل، حيث قال:
فإن ترك السورة فيه فلا سجود عليه، قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد: لأن سنن الفرائض فضائل السنن، انتهى، وقد صرح في البيان بأن قراءة ما زاد على الفاتحة مستحب لا سنة، قاله في التوضيح، وقال: هذه إحدى مسائل خمس مستثناة من قولهم: السهو في النافلة كالسهو في الفريضة، والثانية: الجهر فيما يجهر فيه، والثالثة: السر فيما يسر فيه: والرابعة: إذا عقد ركعة ثالثة في النفل أتم رابعة بخلاف الفريضة، الخامسة: إذا نسي ركنا من النافلة وطال فلا شيء عليه؛ بخلاف الفريضة فإنه يعيدها.
أما أصحاب المذهب الشافعي فقد رأوا أنه لا يوجد سجود سهو في صلاة النوافل من الأساس، والدليل على ذلك ما قد أورد لنا الزركشي في خبايا الزوايا، حيث قال:
(سُجُود السَّهْو سنة فِي النَّافِلَة أَيْضا كالفريضة، وَفِي قَول لَا يشرع فِي النَّافِلَة، ذكره الرَّافِعِيّ فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَالنَّوَوِيّ ذكره هُنَا من زوائده).
طريقة سجود السهو في الشك
يتوجب على المصلي أن يسجد سجدتين للسهو إذا شك أنه قد أخل بأي ركن من أركان الصلاة، زيادة أو نقصان، فإذا راوده هذا الشك بعد التسليم من الصلاة، فقد أقر العلماء بعدم الالتفات إلى هذا الشك في مثل هذه الحالة، حتى لا يفتح مجالاً لوساوس الشيطان.
إلا إذا كان لديه دليل، أو لم يكن الأمر مجرد شك، بل كان متيقن من نسيانه جزء معين في صلاته، أما إذا راوده الشك أثناء الصلاة، فعليه أن يتحرى ويفكر، ويتبع ما يغلب عليه ظنه، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد التسليم.
وقد استدل العلماء على ذلك بما قد ورد إلينا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلّى فزاد أو نقص (كما شكّ أحد الرواة) فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ * رواه البخاري.
أما إذا شك أثناء صلاته ولم يرجح أحد الأمرين، فقد أفتى الفقهاء بأن يبني على الأقل، ويكمل صلاته، ثم يسجد سجدتين السهو قبل أن يسلم، وقد استدل العلماء على ذلك، بما قد ورد لنا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ”. رواه مسلم في صحيحه رقم 571.
أما في حالة ملازمة الشك بشكل دائم في للمصلي، كأن يراوده كل يوم في صلاته، فلا يجب الأخذ به، أو الالتفات إليه من الأساس، أو السجود للسهو.
هل سجود السهو واجب
نعم سجود السهو يعد في ديننا أمر واجب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر به، ليجبر ما قد أخل به المسلم من أركان الصلاة، كزيادة عدد الركعات أو نقصانها، أو نسيان قول التشهد الأول، وما إلى ذلك.
هل يجب سجود السهو عند الزيادة؟
نعم يجب سجود السهو عندما ينتبه المصلي أنه قد أزاد في صلاته، فالمشهور عند أصحاب المذهب أنه يقول التشهد، ثم يسجد سجدتين للسهو، ثم يسلم، أما أرجح الأقوال فهو أن يقول التشهد ويسلم، ثم يسجد ركعتين للسهو، ويسلم مرة أخرى، فهذا هو رأي شيخ الإسلام، وقد جاء به أيضاً رواية عن ابن أحمد.
هل الخطأ في سجود السهو يبطل الصلاة؟
قد أفتى الفقهاء أن الخطأ في سجود السهو، كأن يتأخر المصلي في تكبيرة الانتقال، أو ينسى قول سبحان ربي الأعلى، أو غيرها من الأخطاء، لا تبطل الصلاة، ولا يتوجب على المصلي إعادة السجود، ولا يلزمه أي فعل آخر، وتكون الصلاة صحيحة بإذن الله تعالى.
والدليل على ذلك ما قد ورد في بدائع الصنائع للكاساني:
تَكْرَارَ سُجُودِ السَّهْوِ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ على ما نَذْكُرُ وَلِأَنَّهُ لو سَجَدَ لَا يَسْلَمُ عن السَّهْوِ فيه ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيُؤَدِّي إلَى ما لَا يَتَنَاهَى، وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ قال لِلْكِسَائِيِّ وكان الْكِسَائِيُّ ابْنَ خَالَتِهِ لِمَ لَا تَشْتَغِلُ بِالْفِقْهِ مع هذا الْخَاطِرِ فقال من أَحْكَمَ عِلْمًا فَذَاكَ يَهْدِيهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ فقال مُحَمَّدٌ أنا أُلْقِي عَلَيْك شيئا من مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَخَرِّجْ جَوَابَهُ من النَّحْوِ فقال هَاتِ قال فما تَقُولُ فِيمَنْ سَهَا في سُجُودِ السَّهْوِ فَتَفَكَّرَ سَاعَةً ثُمَّ قال لَا سَهْوَ عليه، فقال من أَيِّ بَابٍ من النَّحْوِ خَرَّجْتَ هذا الْجَوَابَ؟ فقال من بَابِ أَنَّهُ لَا يُصَغَّرُ الْمُصَغَّرُ فَتَحَيَّرَ من فِطْنَتِهِ
هل يقرأ التشهد في سجود السهو
يرى جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية، وأيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية، عدم وجوب قول التشهد بعد سجدتين السهو، فلا يلزم قول التشهد لمن أدى سجود السهو بعد التسليم، وفي هذا الأمر خلاف واضح بين علماء المسلمين، إلا أن هذا هو أرجح الأقوال، كما أنه لا يشرع تشهد المصلي إذا أدى سجود السهو قبل السلام.
وهنا نكون قد وصلنا يا عزيزي إلى ختام هذا المقال، بعد أن تعرفنا سوياً على سجود السهو، والكثير من المعلومات الهامة حوله، والتي لا غنى للمسلم عن معرفته، حيث تتوقف عليه في بعض الأحيان صحة الصلاة، فقد عرفنا سوياً طريقة أداء سجدتين السهو، وماذا نقول فيهما، وحالات سجود السهو، وهل يمكن أدائها بعد الصلاة بفترة، وكيفية سجود السهو عند الشك، وسجود السهو في صلاة النافلة، والكثير من المعلومات التساؤلات الهامة، التي قد تدور في ذهنك، حول هذه المسألة، نرجو أن يقول مقالنا قد نال إعجابك.