المقدمة:-
إن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى تعد من أفضل الأعمال وأشرفها، وأعلاها رتبةً ومقامًا، فهي مهنة الأنبياء والرسل، قال تعالى: ” سُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا”، فرسل الله وأنبيائه وكذلك التابعين والصالحين من بعدهم مأمورين بالتبليغ والدعوة إلى الله تعالى، وإنذار الناس من الشرك به، وعبادة غيره، وقد قال الله تعالى في كتابه:” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.
حكم الدعوة إلى الله تعالى:
والدعوة إلى الله تعالى تعد من فروض الكفاية، أي أنه إذا قام بهذه المهمة بعض الصالحين من الأمة سقطت عن الباقين، وذلك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مشروعةٌ لجميع أهل العلم، إذا أداها البعض منهم ممن تحصل بهم الكفاية في قريتهم أو مدينتهم أو مجتمعهم بشكلٍ عام، تصبح في حق غيرهم “سنة مؤكدة”.
وقال الله تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”
وقال: ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”
فضل الدعوة إلى الله تعالى:
1- يعد الحديث بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، وعدم الشرك به أفضل كلماتٍ تقال على الأرض، ويدل على ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز: ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”
2- من المعروف أن الخير باقٍ في أمة محمد، والدعوة إلى الله تعالى هي أحد أسباب بقاء الخير فيها، وذلك ما دلت عليه الآية الكريمة: ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه”
3- تعد الدعوة إلى الله تعالى أحد الأسباب التي يلتمس بها المسلم الدخول في رحمة الله تعالى الواسعة، حيث قال الله تعالى في كتابه: ” الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”
فالآية الكريمة دلت على أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويلتزم طاعة الله ورسوله يكافئه الله تعالى برحمته وعفوه – بمشيئته تعالى –
4- الدعوة إلى الله عز وجل هي إحدى أسباب نصر المسلمين على أعدائهم، ونيلهم التمكين في الأرض
وقد دل على ذلك الآيات الكريمة من سورة الحج، فقد قال الله تعالى فيها: ” ذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”
5- الدعوة إلى الله إحدى أسباب النجاة
فالدعوة لتوحيد الله عز وجل ولاتباع طريق الإسلام هي إحدى المطالب المهمة لمن ابتغى النجاة بنفسه، ودليل ذلك قوله تعالى: ” وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”
6- لا شك في أن الدعوة واحدة من أهم أسباب نيل عظيم الثواب وكثير الحسنات، ففي سورة النساء يقول الله تعالى: “لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ”، كما أن الدعوة تعد إحدى أسباب الفلاح في الحياة الدنيا والآخرة كذلك، قال تعالى: “ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، فذكر صفة المفلحون للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، تدل على أن الدعوة إحدى أسباب الفلاح والنجاة.
7- الدعوة إلى الله تعالى هي إحدى الأسباب الرئيسية لصلاح حال العباد في المجتمعات، وإحدى أسباب دفع العقوبات عنهم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا».
ويوضح لنا الحديث الشريف بضربٍ من التمثيل كيف أن الدعوة سببٌ لصلاح حال الناس ونجاتهم معًأ.
8- الدعوة لله عز وجل تكفر الذنوب وتحط من خطايا العبد، كما أنها خير للعبد من أغلى الأموال، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “وَاللهِ لَأَنْ يُهْدَيَ بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ”
9- تعد الدعوة إحدى أسباب إجابة الله تعالى للدعاء، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ”، ويوضح لنا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الامتناع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعد إحدى الأسباب التي تؤخر استجابة الله تعالى للدعاء.
10- من أعظم فضائل الدعوة إلى الله تعالى أنها تكفل للداع أجر ما دعى الناس إليه من طاعاتٍ وأعمال صالحة، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا”
نهايةً..
لا ننسى أن الدعوة إلى الله تعالى هي امتثالٌ لأمره وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه لو كان ذلك السبب الوحيد كي يتحرك المرء منا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعوة الناس إلى التوحيد وعدم الشرك فإنه كفي دونًا عن كل تلك الفضائل العظيمة والعديدة التي ذكرناها، وقد قال الله تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”
وقد روى مسلم عَنْ أبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”
ونسأل الله تعالى أن نكون من الطائعين له، الداعين إليه وإلى طريق الحق.