يعتبر بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى ربه بشرط أن تكون هذه الطاعة فيما يرضي الله جل وعلا؛ حيث يحصد العبد ثمار هذا البر في الدنيا قبل الآخرة ففي الدنيا يعلو شأنه بين الناس ويرزقه الله التوفيق في حياته وفي الآخرة تُكفر سيئاته وينال رضا الله عنه.
ولما كان بر الوالدين ذا أهمية كبيرة فقد جعله الله سبحانه وتعالى في المرتبة الثانية بعد الصلاة، بل وقرنه في القرآن الكريم بِطاعته وذلك لِعظم شأن الوالدين فقد قال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” فهو من كمال الإيمان؛ لذلك سنسلط الضوء في هذا المقال على فضل بر الوالدين.
فضل بر الوالدين في الدنيا والآخرة
يعد بر الوالدين سببًا من أبرز الأسباب التي تجعل العبد ينال رضا الله وغفرانه؛ وذلك لأن بر الوالدين يعتبر شرطًا من شروط صلاح العبد ودخوله الجنة، فكلما زادت طاعة الإنسان ورحمته بوالديه زاد أجره عند الله وفيما يلي سنتعرف على فضل بر الوالدين في الدنيا والآخرة.
1 ـ البركة في الرزق والعمر
يعد بر الوالدين باب من أبواب زيادة الرزق والعمر، كما أنه باب للبركة والرضا بِقضاء الله وقدره والدليل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يَرُدُّ القدرَ إلاَّ الدعاءُ، ولا يزيد في العمرِ إلاَّ البِرُّ” .
يتضح من هذا الحديث أن الله تعالى يزيد في عمر من يهتم ببر والديه باستمرار وقد ورد عن معاذ ابن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من بر والديه فَطوبى له زاد الله في عمره”.
2 ـ مغفرة الذنوب
كما أن بر الوالدين سبب من أسباب مغفرة الذنوب والدليل على ذلك، أن أبو بكر روى أنه أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم “فسأله يا رسول الله ارتكبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ قال: هل لك أم؟ قال: لا، قال الرسول: هل لك خاله؟ قال نعم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فبرها”.
يتضح من هذه الرواية أن بر الوالدين يعد كفارة للكبائر.
3 ـ يدل على رضا الله
يعتبر رضا الله سبحانه وتعالى من رضا الوالدين وخير دليل على ذلك حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه أنه قال “رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين”.
يتضح من هذا الحديث رضا الوالدين سبيل لرضا الله عز وجل؛ حيث أن الله يغفر للعبد ويعفو عنه بمجرد طاعتهما والإحسان إليهما وتجنب عقوقهما ولكن بشرط أن تكون الطاعة فيما يرضي الله عز وجل لا فيما يسخطه.
4 ـ إجابة الدعاء
كما أن من فضل بر الوالدين أن يكون الإنسان البار بهما يكون مستجاب الدعوة، بل ويكون محبوباً من أهله، وأصدقائه ومن الناس أجمعين.
هذا، ومن فضل البر بالوالدين أيضاً أن الإنسان عند كبره يجد بر أبنائه وأحفاده، كما نجد أنه يحيا حياة كريمة خالية من الإهانة وذلك نتيجة بره لوالديه؛ حيث أن الله يكون راضياً عنه كرامة لِرضا والديه عليه، ودعواتهم له بل وعند مماته يصرف الله عنه ميتة السوء بسبب بره لِوالديه.
فضل بر الوالدين بعد موتهما
ينبغي على كل شخص أن يعلم أن الإحسان إلى الوالدين لا ينتهي بِموتهما، وإنما يستمر مباركاً الوصول حيث يمكن برهما بعد وفاتهم بالعديد من الطرق التي من أبرزها الدعاء، وصلة رحمهما، وإكرام صديقهما هذا بجانب الصدقة والوقف النافع لهما بالإضافة إلى ذكر مناقبهم وأعمالهم الصالحة، والحفاظ على سيرتهما الطيبة وخير دليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن حق الوالدين بعد مماتهما .
فقال له سائل: يا رسول الله هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد وفاتهما؟ قال: “نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما” .
وفيما يلي سنتعرف على فضل بر الوالدين بعد موتهما:
- زيادة البركة في العمر.
- زيادة سعة الرزق، وتسهيل طرقه.
- الشعور برضا الله في الدنيا.
- يمنع الله سبحانه وتعالى عن عبده البار لوالديه بعد موتهما العقاب، والسخط في الدنيا.
- يكون الشخص محبوباً من قِبل الناس، كما أنه ينال الشرف والمنزلة الرفيعة بينهم بسبب سيرته وسمعته الطيبة.
- يصبح طريق الحق والهداية سهلاً لدى العبد، ويوفقه الله في إتباعه، ويُحنبه الله المعاصي ما ظهر منها وما بطن.
فضل بر الوالدين حديث
جميعنا مأمور ببر والديه باستمرار؛ وذلك لأنه حقٌ علينا فقد فرضه الله سبحانه وتعالى علينا مثل باقي العبادات؛ لذلك سنذكر لك حديث من الأحاديث التي تحثنا على بر الوالدين:
أتى رجل يُدعى جاهمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني كنتُ أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله، والدار الآخرة، قال: ويحك أحيَّة أمك؟ قُلت نعم، قال ارجع فبرها، ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلتُ: يا رسول الله إني كنتُ أردتُ الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ويحك أحيَّة أمك؟ قلتُ نعم يا رسول الله، قال ارجع إليها فبِرها، ثم أتيتهُ من أمامه فقلت: يا رسول الله، إني كنتُ أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال ويحك أحيَّة أمك؟ قلتُ: نعم يا رسول الله، قال ويحك الزَم رجلها فثمَّ الجنة”.
يتبين لنا من خلال هذا الحديث أن بر الوالدين وخاصةً الأم من أعظم الطاعات بعد الإيمان بالله تعالى؛ حيث أن الإسلام حثنا على طاعة الوالدين والإحسان إليهما وُخصت الأم بمزيد من البر نتيجةً لما تحملته من مشاق وآلام.
فضل بر الوالدين وصلة الرحم
بيّن لنا القرآن الكريم أهمية بناء علاقة قوية بين الآباء والأبناء، كما حثنا على صلة الرحم؛ وذلك حتى تكون العلاقة بين الأهل تتسم بالمودة والرحمة والترابط ومن ثم ينعكس أثر ذلك على المجتمعات مما يؤدي إلى زيادة الاستقرار.
هذا، ولكي تكتمل منظومة البر بين أفراد الأسرة فقد جعل القرآن الكريم صلة الرحم فضيلة من أعظم الفضائل، بل وحث المسلم على الالتزام بها؛ حتى ينال رضا ربه ورضا الناس من حوله.
بل إن القرآن قد قرن إكتمال إيمان الإنسان بمدى التزامه بهذه الفضيلة؛ ولذلك فقد حذر القرآن في عدة آيات من قطع الرحم.
ومن الجدير بالذكر، أن أهمية صلة الرحم التي أوصى بها القرآن تعد من أعظم الأخلاق وأجلها؛ وذلك لأنها تعزز قيمة النسب، وتوطد العلاقات بين الناس بل وتجعلها طيبة بجانب أنها تؤدي إلى انتشار روح التآلف والتعاون بين أفراد المجتمع حيث يشعر الكل بالسكينة والطمأنينة والترابط والإيثار والتعاون؛ وذلك لأن صلة الرحم تزيد في عمر الواصل فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن الأعمار”.
كما أنها تنشر بين الأهل كل صور المودة والرحمة.
درجات بر الوالدين
بر الوالدين درجات بعضها فوق بعض فمن الناس من لا يعق والديه، ومنهم من يبرهما، ومنهم من يعقمها فكانت القسمة ثلاثية.
بمعنى أنه إذا قام أحد الوالدين بضرب ابنه، وزجره.
- فتحمل الابن ذلك على كره وانصرف دون أن يتكلم أو يظهر تأففاً أو انزعاجاً فهذا الابن غير عاق إلا أن درجته في البر ضعيفة وذلك بسبب الانزعاج الذي أخفاه في قلبه.
- أما في حالة إذا ابتسم الابن في وجه أبيه وطلب منه العفو والمسامحة فهذا يعد ولداً باراً بأبيه.
- وفي حالة إذا طلب الابن العفو من أبيه دون أن يظهر الابتسامة على وجهه، ولكنه قام بتقبيل اليد التي ضربته فهذا الابن بارٌ بأبيه ودرجته في البر عالية.
فضل بر الوالدين للأطفال
إذا تعلم الطفل منذ صغره آداب التعامل مع والديه، فإنه يتربى على ذلك بل و يألفه وفيما يلي سنتعرف على فضل بر الوالدين للأطفال:
- من يقوم ببر أبويه منذ الصغر يحبه الله تعالى، ومن يحبه الله فإن الناس تحبه.
- بر الوالدين سبب من أسباب الوصول إلى الجنة ودخولها.
- بر الوالدين يزيد من حسانتك، بل ويمحي سيئاتك.
- بر الوالدين يجعل الله يبارك في عمرك ومن ثم العيش لِسنين طويلة.
- من يقوم ببر والديه باستمرار يوسع الله في رزقه، ويبارك له فيه.
في نهاية المقال، نذكر أننا تعرفنا على فضل بر الوالدين والذي يعد سبباً في رضا الله، والبركة في الرزق والعمر، وإجابة الدعاء.