الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وخلقنا ورزقنا وكفانا لنعبده حق عبادته فقد قال الله تعالى “وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما نريد منهم من رزق ومن نريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين”. وسنة الله في
خلقه أن يرسل لهم الرسول بعد الرسول يذكرهم بدين الله وعبادته ويدعوهم للحق ويرشدهم للصواب وللصراط المستقيم،
فكل نبي ورسول ارسل في قوم هو داعيهم إلى الله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير داعٍ إلى دين الله الإسلام،
فقد كان أسلوبه الدعوي وطريقته مدرسة ينتهج نهجها الصحابة والتابعين والدعاة من بعده ويتزود منها كل راغب في انتهاج
الدعوة إلى الله منهجًا لحياته. ويتصبر بمواقفه كل داعية يواجه الصعوبات والصد والإعراض عن دعوته.
ماهي مقومات الداعية الناجح
- وللدعوة إلى الله أركان أساسية وهما الداعية والمدعو والمدعو إليه، فأما المدعو فهو الشخص المراد هدايته لدين
الله إذا كان على غير الإسلام أو المدعو للعودة للحق إذا شت أو ضل أو أذنب، والمدعو إليه وهو دين الإسلام وطريق الله وكل حق وهداية، والداعية وهي الركن الذي عليه العبء كله، هو الشخص الذي يدعو إلى دين الله
الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله عز وجل على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم مستعينًا بكتاب
الله وسنة رسوله والأساليب الحسنة الجزلة والملينة للقلوب. ومن هنا تكمن أهمية الداعية ويقع على عاتقه عبء كبير، فإن الله لا يُدعى إليه بجهل، لذلك يجب على الداعية أن يحرص على امتلاك بعض المقومات الهامة، وفي هذا
المقال نعرض لك مقومات الداعية الناجح. - يفترض بالداعية أن يكون على درجة عالية من الإيمان والتقوى وأن يعظم الله في قلبه ولا يخشى في الله لومة لائم فيتقي الله في كل كلمة تخرج منه وكل فعل يصدر عنه وليعلم أنه صورة للإسلام وقدوة حسنة للناس فلا يصدر
منه ما يحقر من شأنه في أعين الناس فينفروا منه ومن دعوته ويظن ضعاف القلوب أو من لا يفقهون شيئا عن
الإسلام أن هذا هو الإسلام والدين، كما أنه يصبح عبء على الدين الإسلامي خاصة أمام أعداء الدين المتربصين
للإسلام والمسلمين. - ويفترض بالداعية أن يكون على علم، فلا يجوز لأي أحد أن يدعو إلى دين الله من غير علم ودراسة وافية وكافية
لكافة فروع الدين من الفقه والحديث والسيرة والعقيدة والتفسير ويكون له قراءات في كتب التفسير خاصة فلا يفسر
آية برأيه ولا بما فهمه منها بل يرجع دائمًا للمصادر وكتب العلم، ويمتلك حصيلة لا بأس بها من أحاديث رسول الله مع العلم بدرجتها وسندها ورواتها فلا يروي بجهلٍ حديث موضوع أو ضعيف. بل لا يجب عليه ان يتوقف هنا وإنما
الداعية الناجح يتوجب عليه معرفة العلوم الإنسانية كعلم النفس حتى يتفهم نفسية المدعو وحالته وما يمر به
وعلم الاجتماع والتاريخ. وعليه الإلمام بتطور المجتمعات واختلاف الأجيال وتطور وسائل الدعوة فيتحرى الوسائل
التي يقبل الناس عليها أكثر من غيرها. - وينبغي عليه أن يتخلق بالصبر والحلم فلا يكون سريع الغضب ولا ضيق الخلق، بل يتسع صدره لكل الأسئلة مهما
بدت له صغيرة أو غير منطقية خاصة الدعوة لغير المسلمين أو أسئلة المسلمين الجدد أو عامة المسلمين من البسطاء. - وعلى الداعية أن ينظر في أحوال المدعو قبل دعوته فيلم بظروفه ويفهم دوافعه قبل أن يبدأ في نصحه ودعوته فذلك أدعى لقبوله الدعوة والنصيحة. وأيضًا يتفهم اختلاف طبائع المدعوين واختلاف طبقاتهم ومستواهم الفكري فلا يقوم
بدعوة البسطاء من الناس بنفس الأسلوب المتبع مع طلاب العلم في مجلسه مثلًا. - – وعليه أن يجمع بين الآيات والأحاديث والأدلة الشرعية وبين الأدلة العقلية ويستخدم كلًا في موضعه،
أي أنه لا يعتمد على الأدلة النقلية فقط، ولا على العقلية فقط بل يجمع بين الاثنين بما يتناسب مع حالة المدعو. - – كما على الداعية أن يتحسس اللين من الكلام والأسلوب الطيب السهل ولكن لا يعتمد عليه فقط، ففي العديد
من المواقف يحتاج الأمر إلى الوعظ والقليل من الشدة والحزم خاصة في ما يتعلق بحرمات الله، وعليه أن يمتلك من
الذكاء والنباهة ما يكفي ليدرك أيًا منهما يحتاجه الموقف. - – من مقومات الداعية الناجح أيضًا أن يكون جريئًا شجاعًا لا يستضعفه الناس والأعداء، فمن يتولى الدعوة لدين الله
عليه أن يكون قويًا راسخًا لا ينتظر أن يدفع عنه شخص آخر الأذى ولا يخضع لسلطان ولا لمال، بل ييأس مما في أيدي الناس فهو ينظر لما عند الله وما عند الله خير وأبقى. - – وعليه أن يكون متعففًا لا يسأل الناس شيئًا، فلا يسألهم المال مقابل دعوته ولا يسألهم الطعام والجاه والتقدير
فمن ينتهج الدعوة إلى الله ثم يسعى وراء الجاه والمال والشهرة والثناء يحتقره الناس ويرونه ساعٍ وراء الدنيا
ومتاعها وزينتها وهو ما ينافي نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عليه أن يكون صورة حسنة للإسلام
يستريح الناس لرؤيته مهندم الثياب بشوش الوجه طيب المبسم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقورًا لا
يفعل ما يحقر منه ومن شأنه ولا يقول الفحش متزينًا بمكارم الأخلاق لا يطعن في أحد ولا ينم ولا يغتاب. كريم جواد
لا يبخل على أحد ولا يصد من يطلبه، يعين الناس على قضاء حوائجهم، فالدعوة إلى الله لا تقتصر فقط على الدعوة القولية وإنما المسلم السوي يدعو إلى الله بأفعاله وأخلاقه. - – وعليه أن يلتزم بما تقضيه ضوابط المروءة لا يجلس على الطرقات ولا يأكل في الطريق أو يزعج المارة والجيران ولا يكذب إلى غير ذلك مما تقتضيه المروءة فيلتزم ما ينصح ويطبق ما يدعو إليه، فالمجتمع يعتبر الداعية قدوة يجب
اتباعها ويلتمسون فيه الصلاح والهداية فإذا نصح الناس بالتزام خلق معين ثم خالفه فهو يبدوا كالذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، يناقض نفسه بنفسه مما يفقده مصداقيته بين الناس والمجتمع. -
– ومن المقومات أيضًا اللازمة لنجاح الداعية أن يذكر نفسه دائمًا بمواقف الرسول وما مر به خلال دعوته ويكون مصاحبًا للقرآن في كل وقت وحين يثبت نفسه بآيات الله وبما ثبت الله به نبيه الكريم ويذكر نفسه دائمًا بعاقبة المتقين وبجزاء الصبر في الآخرة وهذه الأخيرة تخدم الداعي نفسه سرًا وليس أمام الناس، فالذي يستحضر الله دائما في سراريته وعلانيته وبلائه وسعادته كان الله معه ونصره وأيده ورزقه الصبر على الإعراض والقوة لمواجهة الأذى.
مهارات الداعية
1- القدرة على الإقناع والتأثير في غيره
من أهم المهارات التي يجب أن تتوفر في الداعية الإسلامي أن يمتلك القدرة على التأثير بالمدعوين، وإقناعهم عن طريق
استخدام الأدلة العقلية والنقلية.
وبرغم أن الجميع بإمكانه حفظ تلك الأدلة لاستخدامها في الإقناع، إلا أنه يجب توافر المهارة نفسها في البداية، حتى
يستطيع أن يكون مؤثرًا في نفوس المخاطبين، أن يعرف متى يحدثهم بالدليل العقلي ومتى بالعقليّـة متى تبدأ معه بالترهيب
ومتى تستخدم الترهيب، كيف تستطيع أن تصل لأفكاره ومخاوفه وترد عليها وتطمأنه من خلالها.
2- إتقان فنون الخطابة والإلقاء
بالطبع يحتاج الداعية لأن يكون بليغًا في أحاديثه، ممتلكًا لفن الخطابة والإلقاء وما يتعلق بهما، وذلك حتى يستطيع أن يصل
بأسلوبه إلى قلوب الناس أثناء دعوتهم سواءً في المحاضرات والندوات أو على المنابر في الخًطب، وينتشلهم من التفكير في
أمور الدنيا إلى التركيز في موضوع حديثه بأسلوبه الجاذب في الخطابة والإلقاء فبدون تلك المهارة ربما يفقد الداعية كثيرًا من
عقول وقلوب الدعاء الجالسين أمامه.
3- أن يكون على درايةٍ بعلوم اللغة
مما لا شك فيه أن الداعية يجب أن يكون مُلمًّا بعلوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة وغيرها، فلا يحسن بالداعية أو الخطيب أن
ينصف مرفوعًا أو يجرّ منصوبًا، أو يخطأ في التعبير عن قصده بما هو ليس في محله، لذلك يجب أن يكون لديه أيضًا حصيلة من
المفردات اللغوية والمعاني البلاغية التي تمده بقدرة على التعبير والتمثيل بما يحتاجه أثناء عمله كداعية.
4- إتقان فنون التأليف والكتابة
من المهارات التي يفضل أن يتميز بها الدعاة هي إتقانهم لفنون الكتابة والتأليف، فبالتأكيد سيحتاج الدعاية في مسيرته عدة
مراتٍ إلى تأليف مقالٍ أو ردٍ مثالي على بعض الشبهات، أو يطلب منه كتابة محتوى لبرامج أو محاضرات، لذلك يجب أن يكون
على دراية بالتأليف والكتابة ليستطيع تقديم أفضل ما لديه في تلك المهام.
5- معرفة قدر من كل علم، بالأخص علم النفس والاجتماع
يجب على الداعية أن يكون ملمًا ولو بشكلٍ إجمالي بأغلب العلوم، وبالأخص علم النفس وعلم الاجتماع، فذلك سيساعده
في التعامل مع المدعوين، ومعرفة ما يحتاجون سماعه دائمًا وما هي الطريقة الصحيحة لاستقباله.
6- إتقان التعامل مع التقنيات والوسائل الحديثة
من الضروري أن يكون الداعية مواكبًا دائمًا لكل ما هو جديد، بل ويعرف كيف يستغله لصالح الدعوة لله تعالى والتأثير من خلاله
في الدوائر القريبة منه.
لذلك من الضروري أن يكون الداعية على دراية بالتقنيات الحديثة والتعامل مع الحواسيب ومواقع التواصل وغيرها، حتى
يستطيع أن يصل للناس بالدعوة أينما كانوا، وأينما وصلوا.
7- الثقة بالنفس
تعد الثقة بالنفس من أهم المهارات التي يجب أن يمتلكها الداعية، فكيف له أن يقف أمام المدعوين ليحدثهم أو يخطب فيهم،
أو يقنعهم ويفرد لهم الأدلة من كل حدب بينما هو لا يمتلك الثقة الكافية بقدرته على ذلك؟
لا أحد سيشعر بصدق حديثك حتى يصدقه إذ لم يرك على أرضٍ صلبة من الثقة في الله تعالى أولًا ثم في نفسك وما من الله
به عليك لتكون في هذا الموقف كداعية إسلاميّ
مهام الداعية الإسلامي
1-التبليغ
إن الوظيفة الأولى والأهم للداعية الإسلامي هي الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ رسالته، قال تعالى” ادع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة ..”
2- استغلال كل الوسائل المتاحة للتبليغ
يجب على الداعية أن يستغل كل ما هو متاح حوله للدعوة إلى ما يؤمن به، فكل ما يمكن استخدامه من وسائل الدعوة ليبلغ
الناس دين الله ما دام متاحًا ومشروعًا لا يتركه.
3- تعليم الناس أمور دينهم
من الواجب على الداعية أن يقوم بتعليم الناس أمور دينهم خصوصًا تلك التي لا يسع المسلم جهلها، وليس ذلك وحسب بل
يعلمهم كيف يسيرون حياتهم بمنهج الإسلام وقواعده.
4- الحث على الخير
من مهام الداعية كذلك حث الناس من حوله على فعل الخير دائًما والتحلي بالصفات الحميدة، والبعد عن كل خلقٍ سيء.
5- غرس الانتماء والالتزام في قلوب الناس
على الداعية أن يعمل جاهدًا في سبيل غرس الانتماء إلى الإسلام وأمته في نفوس الناس، وكذلك حملهم على الالتزام
الدائم بقواعد دينهم في سلوكياتهم وأمور حياتهم.
6- التأكيد على عالمية هذا الدين
يجب على الداعية ألا يكف عن توضيح كل ما يخص هذا الدين لمن حوله، خصوصًا عالمية الدين الإسلامي ووجوب اتباعه.
واجبات الداعية الإسلامي وصفاته
1- التحلي بالأمانة والصدق وغيرها من الصفات الحميدة
يجب أن يكون الداعية مثالًا يحتذى بها، وأول العاملين بما يدعو به.
كما يجب عليه أن يتحلى بالصفات الحميدة والخلق الحسن وعلى رأسهم الأمانة والصدق، وإلا كيف سيصدقه الناس فيما
يبلغ عنه؟
2- مخالطة الناس
من الضروري جدًا أن يكون الداعية ملمًا بأحوال مجتمعه، مخالطًا للناس عالمًا بأحوالهم وأفكارهم، صديقًا لهم وطبيبًا لأنفسهم، وذلك حتى يستطيع معرفة ما يحتاجون تعلمه من أمور دينهم، وحتى يكون ذا تأثيرٍ عليهم، فدون المودة والمخالطة والقرب، لن يستطيع الداعية أن يكون مؤثرًا في دائرته فضلًا عن أمته، وقال تعالى ” ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم خير مثالٍ لذلك، فكان أكثر من يخالط الناس ويسأل عنهم ويزورهم، ويصبر على أذاهم.
3 -الحرص على هداية المدعوين
من الضروري أن يصدق الداعية في نيته أثناء الدعوة، وهي نية الحرص على هداية من يقوم بدعوته، ساعيًا إلى ذلك بكل
السبل المتاحة لديه وقال تعالى ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم”
4- الصبر على الأذى
وقد كان نبي الله تعالى وصحابته خير مثالٍ على ذلك، فكانوا يبذلون الصبر في طريق الدعوة بكل ما يطيقونه.
والمقصود بالصبر هنا ضبط النفس وحثها على الاستمرار في طريق الدعوة إلى الله مهما كثرت عليها الصعوبات، وكذلك ردعها
عن الإساءة للمدعوين قولًا وفعًلا.
5- احتساب أجر الدعوة عند الله تعالى
يجب على الداعية أن يحتسب كل خطواته في الدعوة عند الله تعالى، وأن يبتعد عن طلب الأجر لدعوته حتى لا يتهم فيها،
وقال تعالى: ” قل ما أسألكم عليه أجرًا وما أنا من المتكلفين”
6- الاستمرارية في الدعوة
وأخيرًا يجب على الداعية أن يتذكر دائمًا قوله تعالى” إن عليك إلا البلاغ” وأن يعلم أن الاستمرارية في الدعوة غير مقيدة
باستجابة الناس له، بل عليه أن يبذل كل جهده في الدعوة إلى الله تعالى، وأن يستمر في ذلك حتى ولو لم يستجب له أحد.
مقومات الداعية الناجح PDF
وضعنا لك رابط تحميل كتاب مقومات الداعية الناجح للشيخ سعيد بن علي القحطاني ، وهو كتاب جامع مانع يستطيع أن يعتمد عليه الداعية في تعلم أساسيات النجاح في الدعوة إلى الله ، وهو كتاب مكون من 9 فصول اعتماده الأساسي فيها على القرآن والسنة ، فأنصحك أخي الداعية بتحميله عبر الرابط التالي
اقرأ ايضا: أفضل مواقع الدعوة إلى الإسلام بجميع اللغات