لقد دعانا الإسلام للتخلق بأخلاق آداب الحوار، فالاختلاف بين الناس اختلاف فطري، فأغلب الناس لا ينظرون لكل أمر بطريقة متشابهة، فلكل منهم تجربته الخاصة، وآرائه، وقناعاته الشخصية، وهنا تكون فائدة الحوار، الذي يخلق مساحة من الآراء المختلفة.
الحوار له مزايا رائعة وجميلة، وأهمها أنه يبرز لنا الكثير من الآراء المختلفة حول موضوع ما، ويعرض الكثير من وجهات النظر المميزة والرائعة، أما الإحجام عنه، والتمسك بآرائنا فقط والتشدق بها، يبعدنا عن هذه الفوائد والمزايا، وتنحية الحوار جانبًا سيعرضنا لعواقب وخيمة، فالمنوط بنا أن نتعلم ونتعرف على آداب الحوار ؛ حتى نطبقه بفاعلية.
ولكننا أولًا بحاجة إلى أن نعرف الحوار، ومن ثم نتعرف على آدابه.
معنى الحوار
الحوار هو المراجعة والمجادلة، أي مراجعة المنطق والعقل في الكلام، أن تعرض أي أمر على المنطق والعقل، فهو يتضمن التجاوب في الكلام والمراجعة فيه.
ويتطلب هذا أن يكون الشخص الذي سيتصدر للحوار مستعدًا لقبول رأي الشخص الآخر، وحتى لو لم يكن مقتنعًا به، وألا يتمسك برأيه، وألا يرفض الاستماع للطرف الآخر، بينما يقبل من الطرف الآخر السماع له ولرأيه.
فالحوار هدفه أن نسمع الآراء المختلفة، ونقبل منها ما يوافق الشرع، والمنطق والحق، ونعرض عن ما خلاف ذلك.
أهمية آداب الحوار
آداب الحوار للأطفال يجب على كل أب وأمٍ ان يهتموا بتأسيس أطفالهم في الحوار بتلك الآداب التي تنظم طريقة كلامهم ومناقشتهم لأفكارهم مع الغير، فهي مهمة الأهل تجاه أبنائهم.
كما يجب عليهما أيضا مناقشة أطفالهم وتعليمهم الحوار بالممارسة معهم، فالقدوة هي أول وأهم طريقة للتعليم.
فبمناقشة الأهل للآراء والأفكار مع أبنائهم يزول الحاجز بينهم والخوف من مناقشة الأخطاء مع الآباء والامهات مما يُصَعّب عملية تصحيحها لعدم معرفتهم بالأفكار الخاطئة التي يحملها أبنائهم، كما أن الحوار يقوم بتفريغ المشاكل والطاقة السلبية ليوم الأطفال.
ومن بعض آداب الحوار التي يجب تعليمها للأطفال:
- الكلام بصوت مناسبٍ للحوار ومناسب للأشخاص المحاوَر معهم.
- عدم مقاطعة الحديث أو المتحدثين لفرض الرأي.
- الكلام بتهذيب ووضوح وعدم الكذب.
- التكلم بثقة ومناقشة الآراء حتى الخاطئة منهم بثقة ووضوح.
- عدم إفشاء الأسرار، لزرع الثقة في نفوس أصدقائك.
- التواصل النظري مع من يتحدث معاك وعدم النظر بعيدا عن من يحاورك.
الآداب العامة للحوار
1-إخلاص النية لله عز وجل
أن نخلص النية ويكون هدفنا هو الوصول للحق، وعدم الإعراض عنه، فيكون هدفنا من الحوار هو ابتغاء وجه الله –عز وجل-، وأن نعرف الحق ونتبعه، فعندما ينوي طرفا الحوار هذا، فإنهم بذلك يستفيدون من الحوار أيّما استفادة، ويكون الحوار بينهم مثمرًا، يفتح لهم آفاقًا ورؤىً جديدة لكل منهما.
2-صدق المتحاورين:
فلا بد أن يكون طرفا الحوار صادقين فيما يعرضونه، ولا يريد أحد منهم التأثير على الآخر، أو يريد أن يقنع الطرف الآخر برأيه فيكذب، ويقول معلومات مغلوطة وخاطئة، بهدف إظهار أن رأيه هو الصواب، ويقنع الشخص به رغمًا عنه.
فالصدق عكسه الكذب، وهي صفة مشينة ولا يكون المسلم كذابًا أبدًا، بل الواجب عليه أن يتحرى الصدق في كل ما يقوم به، وكل ما ينطق به، فالصدق في الحوار يجعل الطرف الآخر يثق بك وبكل ما تقوله، وربما يقتنع برأيك، وعندها يكون الحوار قد لاقى ثماره.
3- أن يكون المحاور على علم كافٍ بما يتحاور عنه:
لا بد وشرط أساسي للمحاور ألا يدخل في حوار حول موضوع لا يعلم عنه شيئًا، فيكثر حينها اللغط، وينبغي عليه أن يعد نفسه جيدًا قبل الحوار، وأن يعلم فيما يحاور، ويرتب أفكاره، ويبني وجهة نظره الخاصة، فهذا يجعل الحوار حوارًا لينًا تعليميًا، وليس ما نشاهده هذه الأيام من عدم توافر أي علم في المتحاورين، فيخرجوا علينا بأسوأ الحوارات، والتي لا تعد حوارًا أبدًا.
4- الصبر على الحوار وعلى خصمك:
ينبغي أن يتحلى المحاور بالصبر على خصمه، وألا يتحول هدف الإقناع، إلى هدف الإقناع رغمًا عنهم، أو إجباره على الإقناع والتصديق بكل ما يُقال، فيجب عليه أن ينتظر الطرف الآخر حتى يفرغ من أن يقول كل ما لديه، وليس بالضرورة أن يقتنع به، الأهم أن يستمع له جيدًا.
5- الحلم وضبط النفس:
فالمحاور لا يتسرع، ويأخذ أي ردة فعل عكسية بسرعة، بل يجب أن يكون حليمَ الطبع وهادئَ النفس، ويسمع لمن يحاوره في هدوء، ويعد نفسه قبل الحوار أنه سيسمع أراء غير التي يؤمن بها.
6- الحرص على عدم السخرية من الطرف الآخر:
مهما ضاق ذراعك بمن يحاورك، فلا يدفعك هذا أبدًا للسخرية منه، فهذا ليس من شيم المسلم أبدًا، فحتى لو أخطأ الطرف الآخر، فلا يدفعك هذا بالسخرية منه أبدًا، وحتى لو سخر هو منك، فهذا ليس المنوط من الحوار أبدًا.
7- ضبط السلوك في الرغبة في الانتصار على الطرف الآخر:
يشعر المحاور وهو يحاور الطرف الآخر، أنه يريد أن يمسك هو بدفة الحوار؛ حتى يتسنى له الانتصار على خصمه، وهذا ليس صحيحًا، فالحوار ليس فيه رابح وخاسر، وإنما هو عرض وجهات النظر، فينبغي على المحاور أن يضبط انفعالاته جيدًا، وأن يذكر نفسه بنيته من الحوار، ولا ينساق وراء هذا الشعور.
8- الرحمة:
ينبغي على المسلم وهو يحاور أحدًا أن يظهر عطفَه ورقةَ طبعِه ولينَه، وهذا سوف يترك أثرًا في كلامه، وفي سلوكه، فتجده يظهر إشفاقًا على من يحاوره، وأنه يريد دعوته بالحسنى دون أي تعصب لرأيه، ومحاولة إجباره.
9- التواضع:
التواضع صفة من صفات أي مسلم، فحتى لو كان معه الحق، وعلى علم أكثر ممن يحاوره، فلا بد أن يظهر التواضع، وحسن الاستماع لمن يحاوره، وعكس التواضع وهو الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشد نهي عنه، فالتواضع يجعل الحوار يصل للطريق الذي يريده المتحاورون؛ ليخرج بأفضل نتائج.
10- الاحترام والتقدير:
المحاور المسلم لا بد أن يظهر لمن يحاوره الاحترام والتقدير، فحتى لو اختلفت الآراء ووجهات النظر، فهذا لا يمنعنا من احترام وتقدير من نحاوره، وأن نظهر له هذا، ويراه منا في سلوكنا معه.
آداب الحوار للأطفال
الحوار هو واحد من فنون التواصل الهادف البنّاء في المجتمع، بل هو من أرقى وسائل التواصل الحية إذ أن أطراف الحوار يبحثوا دائما على نقطة تلاقي لأفكارهم ولإنهاء النقاش والحوار بشكل ناجح وبنّاء للطرفين.
لذا فإن الحوار له أهمية كبيرة في التواصل الاجتماعي بين كل أفراد المجتمع، فهو وسيلة توصيل الرأي واستقبال الرأي الآخر، ومعرفة الآراء العامة للأشخاص، فالحوار مهمته الأصلية إيصال الرأي ومحاولة إقناع الغير به وجذبه نحو المنظور الشخصي، ومن الممكن ان نجمع أهمية الحوار وأهدافه في نقاط محددة:
- إيصال الرأي بوضوح للشخص المحاوَر، وإيصال الأفكار واستيضاح أفكار ورأي الغير.
- تصحيح الأفكار والمفاهيم الخاطئة للأطراف الحوار.
- تنظيم التواصل بين أطراف المجتمع، فبوضوح الأفكار ومناقشة الآراء المختلفة بكل رقي وهدوء ينتظم التواصل بين المجموعة سواء في أماكن العمل أو التجمع العام.
- محاولة تقريب وجهات النظر المختلفة بين أفراد المجتمع والأسرة الواحدة بمناقشة الآراء وتصحيحها ومعرفة ما يحتويه دماغ الطفل أو الابن بصفة عامة.
- احتواء المشاكلة الناشبة عن الجدال واختلاف الآراء حول موضوع معينة، فالنقاش يهدف إلى الوصول إلى نقطة تلاقي في الحوار.
- يعمل الحوار على تقوية الشخصية وعدم الخوف من مناقشة الأفكار حتى لو كانت خاطئة بهدف الوصول للحقيقة والصحيح من الأفكار.
- يعمل الحوار على تفريغ الطاقات السلبية وعدم كبت المشاعر.
- من الممكن أن يساعد الحوار الراقي الهادف على تخفيف المشكلات الزوجية ومشاكل الأسرة بصفة عامة.
آداب الحوار الإلكتروني
بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعية في هذا العصر وتزايدت حِدّة النقاشات والحوارات على مواقع التواصل المختلفة، بل زادت المشاكل الناجمة عن الحوار وفهم الحوار والآراء بشكل خاطئ، واحتكار الصواب والأنانية بالرأي وعدم تغيير الآراء عند بعض الأشخاص، كان يجب التنويه على بعض الآداب التي تُنظم الحوار على وسائل التواصل، وتذكُّر أن كل ما يُلّفَظ به مكتوب ومحاسبٌ عليه، ومن هذه الآداب المساعدة على تنظيم الحوار الإلكتروني:
1- التحدث بوضوح
فمحاولة إيصال الفكرة والرأي بوضوح لتجنُّب المشاكل والصراعات في التعليقات وغيره بناءً على عدم فهم الفكرة بصورة واضحة أو عدم شرح وإيصال الفكرة.
2- محاولة البعد عن الأخطاء اللغوية
لأن هذا وسيلة مساعدة على إيضاح الفكرة وعد التشتت بسبب كلمة خاطئة أو ما إلى ذلك.
3- محاول الاختصار
وعدم الإطناب في توصيل الرأي لعدم الملل من الحوار .
4- التفكير والمراجعة قبل إرسال أو كتابة الرسالة
فكثيرا ما تنجم المشكلات بسبب الأخطاء الموجودة بسبب عدم المراجعة.
- في النهاية احترام آراء الغير وعدم احتكار الصواب في الرأي بعدم تقبل آراء الغير.
آداب خلال الحوار
1- أن يبدأ الحوار بنقاط الاتفاق وترك نقاط الاختلاف بالكامل:
عند بدء الحوار، فالأفضل التركيز على النقاط المشتركة أولًا، قبل الدخول في النقاط التي تختلف فيها وجهات النظر، ومن ثم يبدأ كل طرف في عرض وجهة نظره وحجته، فوجود أرضية مشتركة في البداية، يعزز هذا الحوار، ويحصل هناك ألفة بين المتحاورين، فيساعد هذا في إنجاح الحوار، وهذا على العكس لو كانت البداية من نقاط الاعتراض، وعد التوافق أولًا.
2- حسن الاستماع للآخر، وعدم المقاطعة:
من المهم أن تعطي للطرف الآخر الفرصة الكاملة في قول ما يريد، وعدم مقاطعته أبدًا، فالمقاطعة سوف ترسل له رسالة سلبية، في أنك لا تحترم رأيه، وأن إبداء رأيك أهم من الاستماع له ولرأيه، وهذا ما سيترك انطباعًا سلبيًا عنك، وكذلك سيؤثر على نتيجة الحوار.
3- انتقاد الرأي لا صاحبه:
عندما لا يعجبك رأي من تحاوره، فالأفضل أن تعترض على الرأي، وألا تصب اعتراضك على صاحب الرأي، فلا تصفه بأي صفات سلبية، فهدف الحوار هو عرض الآراء المختلفة، والاقتناع بالرأي الأصوب، وليس الانتقاص من آراء أصحابها.
4- الالتزام بوقت محدد:
من المهم أن يتم تحديد وقت للنقاش على شرط أن يلتزم به طرفا الحوار، وألا يخرجا عنه، وهذا يحافظ على وقت كلا المتحاورين، ويجعل الحوار مثمرًا، وهو يمنع من أن يستأثر أحد بالحوار دون غيره، فطالما هناك وقت متفق عليه، فهذا سيحافظ على وقت المتحاورين من الضياع دون فائدة.
فحرص الإسلام على دعوته لنا الي آداب الحوار، هو ما للحوار من ثمار رائعة، وفوائد جمة، وقد كان العلماء من السلف الصالح يتحاورون كثيرًا، ويأخذون برأي أحدهم الآخر، فهم فطنوا أن الحوار يبصرهم بأشياء خارج ما يفكرون فيه، ويعود عليهم بخير كثير.