آداب الخلاف
المقدمة
كثيرُا ما يحدث الخلاف بيننا في الأمور والمسائل المختلفة، ولكن ليس هذا هو المهم، فالأهم من ذلك كيف ننظر للخلاف؟ هل ننظر له على أنه أمر طبيعي، يحدث من حين لآخر، أم عند حدوثه يتشبث كل منا برأيه، ويرفض الإذعان لأمر الآخر، أو حتى تقبله، وتقبل اختلافه، أم نتعامل مع الاختلاف تعامل صحيح، ونتخلق بآداب الإسلام، ونتعرف على آداب الخلاف ونطبقها.
فقد حثنا الإسلام على التعامل الصحيح مع الخلاف، ووضح الله تعالى في كتابه الكريم أن البشر كلهم مختلفين، وأن الخلاف لا شك يحدث وسيحدث بين بني البشر، فقد قال عز وجل في محكم تنزيله: “وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”، فالخلاف لا مفر منه، وليس كله شر،فالأولى بنا أن نتعلم كيف نتعامل معه التعامل الصحيح، وكيف نستفيد به، ونترك آثاره السيئة جانبًأ.
وإذا كان لديك أي نصائح غير المذكورة أو مقترحات اتبعتها شخصيًا فنأمل منك إخبارنا في تعليق أو من خلال الرابط التالي.. اضغط هنا
أولا - معنى الخلاف:
هو ألا يتفق شخصان أو أكثر على شيء، فيأخذ كل منهم الأمر من جهة مغايرة للأخرى. فيأخذ كل طرف منهم الأمر بطريقة مخالفة للأخرى.
ثانيا- أنواع الخلاف:
ويوجد نوعين من الاختلاف، يختلف كل واحد منهما اختلاف جذري عن الآخر، فالأول خلاف مذموم، منهي عنه، ويؤدي للهلاك، والثاني خلاف محمود، فيه خير كثير، وغير منهي عنه، ولنفصل في كل منهما فيما يلي.
- الاختلاف المذموم:-
وهو اختلاف بغرض اتباع الهوى، فهو الاختلاف لأجل الاختلاف.
ويرجع لأسباب كثيرة منها:- حرص الإنسان على الزعامة والقيادة، وحبًا في الظهور، فيرجع أسبابه لعُجب الإنسان بنفسه، وغروره، وتكبره عن الاعتراف بالحق، والعصبية، وقلة العلم، كل تلك الصفات من الصفات المذمومة، والتي نهانا الشرع عنها، وعن أصحابها.
- الاختلاف المحمود:-
وهو اختلاف التنوع والتعدد في الآراء، والاختلاف في وجهات النظر المتباينة، وتختلف هذه الآراء بسبب اختلاف التوجهات الفكرية، وهذا الخلاف إنما هو يثري الحياة والعلوم بوجهات النظر، والاجتهادات المختلفة.
غير أنه لا يجب أن يكون الخلاف في الأمور المتفق عليها من الفرائض والشرائع، فهذه قد أثبتها القرآن والسنة، ولا خلاف عليها، وكذلك كل أمر ثابت في الشريعة والعرف، ومتفق عليه من قبل العلماء، أما ما عدا ذلك من الآراء المتابينة، والأفكار المختلفة فهي لا تضر، بل هي مرغوبة.
ثالثا- فوائد الاختلاف المحمود:
1- نتعرف به على جميع الاحتمالات، ونتوصل به إلى مختلف الأدلة.
2- الاختلاف رياضة للذهن، فهي تجعل الانسان يتفكر في كل شيء، فلا يُصاب عقله بالجمود أبدًا، ولا يقبل بأن يفكر له أحد عوضًا عن عقله، ويبتعد عن المسلمات إلا في القضايا الثبوتية، ويفتح مجال التفكير فيصل به إلى مختلف الافتراضات، التي بإمكان العقول أن تصل لها.
3- توجد حلول مختلفة باختلاف الآراء المتشعبة، فيأخذ كل صاحب رأي بما توصل له، وبما يتناسب معه.
4- يعطي للأفراد حرية التفكير، ومن ثم الثقة بالنفس، وتزداد قدرتهم على التحليل، والإتيان بالحلول المختلفة.
5- يفتح الباب بقوة أمام إشغال العقل بما يفيد وينفع، فيعمل كل إنسان عقله، ليتوصل بما يرتضيه، بعد طلبه للعلم الكافي، الذي به يستطيع أن يبني تصور واضح حول المسائل المختلفة، ويكون علمه غزير، فيستطيع أن يعرج عليه متى شاء، أما إذا كان جاهلًا لم يطلب من العلم ما يكفيه؛ ليخوض في تلك المسألة، فما ينتجه لم يتعدى مجرد إرهاصات، فكلام الجاهل لا يعتد به، ولا ينظر له.
رابعا- أدب الخلاف:
- الإخلاص
أي عمل تقوم به لا بد أن تتحرى الصدق والإخلاص، فالمسلم أي عمل يقوم به، يكون هدفه هو ابتغاء مرضاة الله، وأن يكون لأجله سبحانه وتعالى، وينبغي على المسلم أن يجدد نيته دائمًا.
- المسارعة إلى نقاط الاتفاق المشتركة، قبل الدخول في النقاط المختلف عليها.
عند النقاش لا بد أن تعرض النقط التي تم الاتفاق عليها أولًا، قبل النقط المختلف عليها، فأن تبدأ بالنقط المشتركة، فهذا يعمل على نزع ما في الصدور من ضغائن، ويخفف من حدة الحوار، وأقرب للقبول بين الأطراف المتحاورة، ويجعل النقاش سهلًا لينًا، إذا ما وجدوا أن هناك نقاط مشتركة كثيرة، فلا يعرضوا إلى الخلاف.
- عدم التسرع في إطلاق الأحكام على الناس
لا يشجعك الخلاف والاختلاف في الآراء، إلى التسرع في الحكم على الناس، واتهامهم بما ليس فيهم، أو إذا ما بدر من الطرف الآخر عكس ما تعتقد، وتتوقع منه، أن تبادر وتصفه بما ليس فيه، أو تتهمه بما لم يثبت عنه، فتذكر أنك في حوار، ولست في قاعة محكمة تصدر أحكامًا على الناس، وأن تبتعد عن ذلك تمام البعد.
- عدم التعصب للآراء الشخصية.
فالأصل أن الشخص يتحاور مع من يخالفه في الرأي، ثم يقبلون بالرأي الأصح فيهما، أما التعصب ورفض السماع للآخر، والتمسك برأيه، فهذا تعنت واضح، يضر ولا يفيد.
- تقبل الآراء الأخرى المعارضة لك.
ليس معنى أن فلان يخالفك الرأي، أن ذلك يمنعك من احترامه، أو تقبل آراءه، حتى لو لم تقتنع بها، فليس مطلوبًا منك أن تقتنع برأي أنت ضده، ولكن المطلوب والمنوط منك أن تحترمه وتقبله حتى لو منافي لما تعتقد به.
- ذكر الدليل على صحة ما تقول.
عندما تحاور شخص مخالف لك، فأيِّد كلامك بالأدلة؛ حتى يقتنع الطرف الآخر بما تقول، فلا تقل كلامًا عامًا، بل دلل على كل ما تأتي به، واذكر صحة ما تقول؛ حتى يؤيد ذلك حديثك، ويقوي حجتك.
- التواضع في الرد.
المسلم مطلوب منه أن يكون متواضعًا دائمًا، فالتواضع عكسه الكبر، والمسلم منهي عن الكبر، فهو من الصفات الذميمة، فعند التحاور حتى لو كنت على صواب، ومن يخالفك على خطأ، فلا يدفعك هذا بالتكبر، بل نواضع معه عند الرد، فالتواضع من شيم المسلمين.
- إنصاف المخالف ولو عدوًا.
فالحق أحق أن يُتبع، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍعَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”، فالإنصاف عزيز، والمنصف هو من أعدل الناس.
- إحسان الظن بمن يخالفك.
ليس معنى أن شخص ما يخالفك في الرأي، أن لا تحسن الظن به، وأن تظن فيه ما لم يبد منه، بل على العكس تمامًا، أن تحسن الظن فيه، وتتوسم فيه الخير.
- ضع نفسك في مكان المخالف لك.
وهي من أهم آداب الخلاف، فلن يعينك على فهم من أمامك، سوى أنت تضع نفسك مكانه، وتحاول أن ترى الأمور من منظاره، من تجاربه ومعتقداته، وأفكاره وتجاربه، فهذا سيعطي لك انطباع عن كيف أتى بهذا التصور والرأي.
إن الخلاف أمر واقعي ولا بد من حدوثه، شئنا ذلك أم أبينا، فينبغي أن نعلم سلفًا ما المسائل المُباح أن نختلف فيها؛ حتى لا نهدر قوتنا العقلية هباءًا، ونشغل أفكارنا ونستغلها بما لا يقدم نافعًا، أو يزيل ضررًا، أما إذا وُجد الخلاف في المسائل الاجتهادية المفتوحة، والتي دعانا الشرع أن نتفكر فيها، وتركها دون قولًا فاصلًا؛ فهذه أولى باعمال العقل فيها، والاختلاف حينها يخرج لنا العقول النيرة، والحلول المختلفة.
فجملة القول أن الخلاف مفيد ويدر علينا فوائد جامة، فهذا في حالة الخلاف المحمود، والذي يلتزم أصحابه بآداب الخلاف، أما ما عدا ذلك فهو يجر وبالًا على الأمة، ويستنزف طاقة أفرادها، ويجعل علمائها في حرب ضروس من الأقوال والآراء المختلفة.