إن صلة الأرحام من أكثر ما دعا له الدين الإسلامي؛ فقد قال الله تعالى “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي٠القربى” وقد أشاد الإسلام بمن يلتزم بهذا الأمر الرباني، فإن من
يلتزم بصلة الرحم ويُتمّها على أفضل وجه يكون قد وصل إلى درجةٍ عاليةٍ من الامتثال لأوامر الله، وارتقى في الفضل والخير.
كما بيّن الدين الإسلامي أن من امتنع عن وصل رحمه فقد خسر الكثير، وفاته فضلٌ عظيم، وقد أشار النبي -صلى الله عليه
وسلم- إلى فضل صلة الرحم وواصل الرحم في العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة.
وفي هذا المقال سنتناول موضوع صلة الرحم إجمالاً، والأحاديث الصحيحة الواردة في الحث عليه، وبيان مقصودها ومعناها،
إلى غير ذلك من الأمور التي تتعلق بصلة الرحم وقطعه
تعريف صلة الرحم
الصِّلة لغةً:
. مصدرُ وَصَل، ويُقال وصلَ الشيءَ بالشيء، أي جمعه معه، وضمّه إليه
أمّا اصطلاحاً فهي:
أن يحسنَ المرء إلى أقاربه تبعاً لحال الطرفين، أي الطرف الواصل، والآخر الموصول، حَسب قدرة الواصل، والمصلحة الداعية
إلى ذلك، فتكون الصِّلة مرّة بالزيارة، وأخرى بالمال، وتارة بالخدمة، ومرّة بالسلام.
كما تكون الصلة أيضاً بطلاقة الوجه، وردّ الظلم، والنُصح، والصفح والعفو، وغير ذلك من طرق الوصل.
هذا، ويُضادُّ صلة الرحم قطعُها.
والقطع لغةً:
هو الهجر والمنع.
أمّا اصطلاحاً:
فهو ترك صلة الأقارب وترك الإحسان إليهم، وهجرتهم، وهو ذنب من أعظم الذنوب وأخطرها؛ لأن صلة الرحم واجبة بالإجماع،
ولكنّ الحكم يختلف من حالة إلى أخرى عند الدخول في التفصيلات، وذلك تبعاً لقدرة الواصل، وحاجة الموصول.
من هم صلة الرحم ؟
- هناك رحماً من الدرجة الاولى، وهم الأب والأم والأخوات والأعمام والأخوال والجد والجدة.
وهؤلاء يجب على المسلم يداوم على السؤال عنهم، ويكرر زيارتهم باستمرار، ويقوم بتنفيذ ما يطلبونه منه.
- رحم القرابة، وهم الأقارب من جهة الأبوين سواء الأعمام والعمات أَو الأَخوال والخالات.
وهؤلاء جميعاً صلتهم واجبة، وقطعها كبيرة من الكبائر، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الله خلق الخلق فلما فرغ منهم قامت الرحم؛ فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى،
ثم قال صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم، قوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).
فوائد صلة الرحم
- أنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى.
- من الفوائد التي تعود على العباد نتيجة صلة الرحم، توطيد العلاقات، والمشاعر، والأخوة، والود، والتكاتف.
- تعد صلة الرحم سبب من أسباب زيادة الرزق.
- كما أنها تعد سبباً من أسباب طول العمر، والبركة فيه.
- من فوائد صلة الرحم أيضاً، أنها سبب لِبناء المجتمعات المتكاتفة المتماسكة، وبالتالي تصبح المجتمعات قوية، قابلة للتقدم والازدهار.
آيات عن صلة الرحم
- قال تعالى “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ“.
- وقال عز وجل “وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا“.
- كما قال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً “.
- قال الله “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ” .
- من الآيات القرآنية الواردة عن صلة الرحم أيضاً قول الله تعالى “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم”.
أحاديث عن صلة الرحم
عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن
وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه اللهُ) (مسلم)._ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (إنَّ الله خلَق الخلْقَ، حتى إذا فرغ من خلقِه قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذ بك من القطيعة، قال: نعَم، أمَا تَرضَيْنَ أن أصِل مَن وصلَكِ، وأقطعَ مَن قطعَكِ؟ قالت: بلى يا ربِّ، قال: فهو لكِ)،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (فاقرؤوا إن شِئتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ
[محمد: 22])؛ (البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري).
وعن نفيع بن الحارث الثقفي أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنبٍ أجدرُ أن
يعجِّلَ اللَّه لصاحبه العُقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة -من البغيِ، وقطيعةِ الرَّحم)؛ (الترمذي)، وصححه الألباني.
وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: أنا الرَّحمن، وهي الرَّحِم،
شققتُ لها اسمًا من اسمي، مَن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتتُّه)؛ (أبو داود، وصحَّحه الألباني).
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليُكرِم ضيفَه،
ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)؛ (البخاري)
عن عبدالله بن سلَام رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها النَّاس، أفشُوا السَّلام، وأطعِموا الطَّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيل والنَّاسُ نيام، تدخلوا الجنَّةَ بسَلام)؛ (ابن ماجه، وصححه الألباني)،
في هذا الحديث يبيِّن الرسول صلى الله عليه وسلم أسبابًا لدخول الجنة دارِ المتقين؛ وهي السَّعي إلى إطعام الغير،
وفي هذا فضل للصَّدقة وحث عليها، وصِلة الأرحام، وسلوك كل الطرق التي تؤدِّي إليها، والصلاة بالليل والناس نيام؛
لأنَّها من سُبل الإخلاص؛ لعدم اطلاع الناس على العمل.
_ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثرِه، فليَصِل رَحِمَه)؛ (البخاري ومسلم)
في شرح هذا الحديث قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: “وذلك أنَّ الله سبحانه يجازي العبد من جنس عمله؛ فمَن وصَل رحمه وصل الله تعالى أجَلَه ورزقه، وصلًا حقيقيًّا، وضده: مَن قطع رحمه، قطَعه الله تعالى في أجَلِه وفي رزقه”.
_ ورد في السنَّة النبوية توضيح لأهمِّ قاعدة في صِلة الأرحام؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكن الواصل الَّذي إذا قُطِعتْ رَحِمُه وصلَها)؛ (البخاري).
يتضح من هذا الحديث الشريف الحث على صِلة الرَّحم والوفاء بحقِّها.
_ عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصَّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صدَقةٌ وصِلةٌ)؛ (النسائي، وصححه الألباني
في الأحاديث الشريفة درَر ثمينة؛ لِترسيخ مفاهيم الإيمان عند المسلمين، وبيان لجملة مِن الأعمال التي يتحقَّق بفعلها تمامُ الإيمان بالله واليوم الآخر؛ ومنها إكرام الضيف وصِلة الرحم، وقول الخير أو الصمت إذا لم يكن هناك خير يقوله، وفي هذا تجنُّب للشرِّ المترتب على عدم قول الخير.
حديث عن صلة الرحم من كتاب رياض الصالحين
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت”
متفق عليه.
يبين هذا الحديث أن صلة الرحم واجبة وقطعها معصية كبيرة وهي درجات بعضها أرفع من بعض.