المقدمة
الحمد لله الذي علم بالقلم، وعلّم الإنسان ما لم يعلم، أنزل على رسوله القرآن ليخرجنا
من الظلمات إلى النور، و ليرشدنا إلى طريقٍ مستقيم، فكان نورًا لقلوبنا، وشفاءً لأرواحنا، وتشريعًا نحتكم إليه، وثوابُا نُرزقَه
عند قراءته وحفظه.
وكما يجب على المسلم ألّا يهجر القرآن، وأن يكون دائم التلاوة بتدبرٍ وإمعان، يجب أن نسعى لحفظه، فيتعين على كل مسلمٍ
أن يحفظ على الأقل ما تصح به صلاته، وهو الفاتحة ومقدار ما يجزئ بعدها، لأنَّ من القواعد المقرَّرة في الشَّريعة:
أنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب، والصَّلاة واجبة ولا تتمُّ إلاَّ بالفاتحة، ومقدار ما يجزئ بعدها “عند مَنْ يقول بوجوبه”.
أما حفظ القرآن الكريم كاملًا، فهو فرض كفاية على الأمة بالإجماع، إن قام به البعض سقط الإثم على الباقين.
لكن يستحب على كل مسلمٍ أن يسعى لحفظ القرآن كاملًا، فحفظه مقدمٌ على غيره من العلوم الواجب تعلمها.
ويستحبُّ أيضًا تحفيظ القرآن للصبيان لأنه منهج السلف الصالح مع أبنائهم، ودليل ذلك ما ورد عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما،
أنَّه قال: «سَلُوني عَنِ التَّفسير؛ فإِنِّي حَفِظْتُ القرآنَ وأنا صَغِيرٌ».
وهذه أفضل طرق تساعدك على حفظ القرآن الكريم:
الطريقة الأولى: [الحصون الخمسة]
وهي قائمةٌ على أساس من السنة النبوية الشريفة ” تعاهدوا هذا القرآن”، وتتكون من:
الحصن الأول: منقسم إلى (القراءة المستمرة والاستماع المنهجي)
- القراءة المستمرة: قراءة من المصحف بواقع جزئين يوميًا، مجتمعين أو متفرقين، في صلاةٍ أو غير صلاة، حدرًا أو ترتيلًا.
- الاستماع المنهجي: الاستماع لحزب يوميًّا والانصات للقارئ مع النظر للمصحف.
الحصن الثاني: التحضير:
- الأسبوعي: تقرأ الصفحات التي ستقرؤها الأسبوع التالي، يوميًّا خلال الأسبوع الحالي.
- الليلي: تستمع (15د) ثم تقرأ (15د) الصفحة التي ستحفظها في صباح اليوم التالي.
- القبلي: تقرأ (15د) الصفحة التي ستحفظها قبيل الشروع في حفظها ” بتركيز”.
(وتسمي هذه المرحلة أساسيات البناء)
الحصن الثالث: الحفظ الجديد
احفظ الصفحة خلال (15د) لا أقل، من طبعة واحدة، مع إشباع التكرار والتركيز والجهر والترتيل والتسميع الدائم للغير مع الإخلاص والصبر.
(وتسمى هذه المرحلة البناء)
الحصن الرابع: مراجعة القريب:
مراجعة آخر 30 صفحة تم حفظها وذلك يوميًّا، غيبًا وليس من المصحف، حدرًا وليس ترتيلًا أو تحقيقًا.
الحصن الخامس: مراجعة البعيد:
الصفحات التي تسبق مراجعة القريب، و تكون مقسمة بواقع 40 صفحة في اليوم.
(وتسمى هذه المرحلة بحراسة البناء)
الطريقة الثانية: [التكرار]
ولذكر هذه الطريقة نمثّل بوجهٍ واحد من سورة الجمعة:
1- تقرأ الآية الأولى عشرين مرة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.
2- تقرأ الآية الثانية عشرين مرة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
3- تقرأ الآية الثالثة عشرين مرة: {وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
4- تقرأ الآية الرابعة عشرين مرة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
5- تقرأ هذه الأربع من أولها إلى آخرها للربط بينها عشرين مرة.
6- تقرأ الآية الخامسة عشرين مرة: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
7- تقرأ الآية السادسة عشرين مرة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
8- تقرأ الآية السابعة عشرين مرة: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
9- تقرأ الآية الثامنة عشرين مرة: مثل {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
10- تقرأ من الآية الخامسة إلى الآية الثامنة: عشرين مرة للربط بينها.
11- تقرأ من الآية الأولى إلى الآية الثامنة: عشرين مرة لإتقان هذا الوجه.
الطريقة الثالثة: (طريقة “الخمس”)
وهي أن تبدأ بترديد الآية المراد حفظها خمس مرات، ثم الآية الثانية خمس مرات، ثم اجمع الأولى بالثانية بقراءتهما معًا خمس مرات، ثم ردد الثالثة خمس، ثم اجمع الأولى بالثانية بالثالثة ورددهما خمس وهكذا.. وما بينهم أغلق المصحف وردد تلك الآيات غيبًا، وفي اليوم التالي وقبل بدئك حفظ آيات جديدة قم بترديد ما حفظته بالأمس، ثم كرر نفس الخطوات.
الطريقة الرابعة: (طريقة القراءة البطيئة)
وهي أن تتأنى في القراءة، فتعطي وقتًا لعينيك وتركز على الأسطر والآيات وكأنك تقوم بتصوير الصفحة، وهذا ما كان يفعله الكثير من الحفاظ كالإمام الشافعي رحمه الله؛ كان يقوم بالنظر إلى الصفحة ويقرأها، وعندما يحفظها يتعمد ألا ينظر لشيءٍ آخر حتى لا يفقد الصورة التي خزنتها الذاكرة بالنظر إلى المكتوب، ويقوم بتغطية الصفحة الأخرى لحين رسوخ الأولى.
الطريقة الخامسة: (الكتابة)
وهي أن تقوم بكتابة الجزء المراد حفظه ثم تضعه في مكانٍ قريبٍ لك، وتردده بعد ذلك كلما وقعت عيناك عليه، وهذه الطريقة تناسب الذين يحفظون مقدارًا قليلًا بشكلٍ يوميّ.
الطريقة السادسة: (الفهم الشامل)
حاول أن تبحث عن تفسير الآيات التي ستشرع في حفظها ولو بشكلٍ إجماليّ فهذا سيساعدك على حفظها وعدم نسيانها لارتباط معنى الآية ولفظها في ذهنك.
ونهايةً احرص على إخلاص نيتك في حفظ القرآن الكريم، واستحضر ثواب هذا العمل الجليل، واستعن بالدعاء و طلب العون من الله أن يرزقك حفظه والعمل به.