من فضل الله -تعالى- على البشر أن أرسل إليهم رسلاً مبشّرين ومنذرين. ليدعوا إلى عبادة الله وحده، وأنزل إليهم كُتباً لتقوم
على الناس الحُجّة بذلك كما قال الله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، وبعد فترةٍ من انقطاع الرسل، بعث الله -تعالى- محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل عليه القرآن الكريم؛ ليُكمل صرح الرسل السابقين، بشريعةٍ عامّةٍ خالدةٍ، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثَلِي ومثلُ الأنبياءِ من قبلِي كمثلِ رجلٍ بنَى بنياناً فأحسنَهُ وأجملَهُ إلَّا موضعَ لبنةٍ من زاويةٍ من زواياهُ فجعلَ النَّاسُ يطوفونَ به ويَعجبونَ له ويقولونَ: هلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنةُ، قال: فأنا اللَّبِنَةُ وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ)، ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم كان آخر الرسالات إلى الناس أجمعين، حيث قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)،
وقد تحدّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العرب بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم،
فلم يستطيعوا، فتحدّاهم بأن يأتوا بعشر سورٍ مثله، فعجزوا عن ذلك، وتحدّاهم بأن يأتوا بسورةٍ فما استطاعوا،
على الرغم من أنّهم أهل الفصاحة والبلاغة، فثبت له الإعجاز، وبإعجازه ثبتت الرسالة، ويُعرّف القرآن الكريم بأنّه كلام الله
تعالى، المُنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والمتعبّد بتلاوته.
ما هي أحكام التجويد؟
أحكام التلاوة أو التجويد لكتاب الله إنما هي عبارة عن إتقانٌ للقراءة وقراءة القرآن على النحو السليم الذي
أنزله الله على النبي المصطفى، فالتجويد من الجودة بمعنى الإتقان وكثرة الممارسة تفضي إلى الجودة لا محالة، لذا فعلماء
القرآن بقراءاته وعلماء اللغة وعلماء الدين وضعوا نظاما وأحكاما ليتسنى للقارئ اتباعها ليحصل على قراءة سليمة قويمة بغير
أخطاء أو ألحان جليّةٍ في القرآن خوفا لتغيير المعنى في القرآن والحصول على إثم بسبب هذا التغيير.
ومن هنا يمكنا تعريف علم التجويد بالتالي: هو العلم المختص بتخريج الحروف من مخارجها الصحيحة ومختص بكيفية نطق
الحروف منفصلة كانت أم متصلة في كلمة أو جملة، والهدف من تعلمه هو الوصول إلى درجة الإتقان في قراءة آيات الذكر
الحكيم على الشكل الذي كان يقرأ أيام النبي والصحابة.
وبالطبع لم تكن هذه الأحكام الخاصة بتجويد القرآن منظومة أو مكتوبة في كتب معينة للغة، بل كان العرب آنذاك يقرؤونها
بأحكامها على النحو المطلوب فطريا وتعودا منهم على الصحيح من القراءة، ولكن بسبب تغير البيئات وانخراط العرب بالعجم
والانفتاح الرهيب لدول المسلمين والعرب كان لابد من حصر هذه الأحكام في علم جامع منظومٌ في كتب مختصة لضمان عدم
ضياع قراءة القرآن على النحو الصحيح ، وهذا ما اهتم لأجله العلماء من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
أحكام تلاوة و تجويد القرآن الكريم
أحكام النون الساكنة والتنوين
يمكن تطبيق أحكام النون الساكنة والتنوين بتطبيق ما يلي منها وفقًا للحاجة، وهي:
- الإظهار الحلقي: ويتمثل تطبيقه بنطق الحرف نطقًا سليمًا بإخراجه من مخرجه الصحيح،
بحيث يكون حرف مظهر من غير غنة، ويبلغ عدد حروف الإظهار ستة حروف،
وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، ولتسهيل حفظها فقد جُمعت في شطرٍ شعريٍ واحد وهو:
(أخي هاك علمًا حازه غير خاسر)، ومع التدقيق فإن أحرف الإظهار تأتي في بدايةِ كل كلمة من هذا الشطر،
وينقسم الإظهار بدوره إلى عدةِ مراتب، وهي:
أعلى مرتبة: ويتم تطبيق هذه المرتبة على حرفي الهمزة والهاء دونًا عن بقية حروف الإظهار،
ويعزى السبب في ذلك إلى خروج هذين الحرفين من أقصى الحلق.
أوسط مرتبة: تركز هذه المرتبة فقط على حرفي العين والحاء،
وجاء ذلك لاعتبار أن أوسط الحلق هو مخرج هذه الحروف. أدنى مرتبة:
تركز على حرفّي الخاء والغين، لاتخاذهما مخرجًا من أدنى الحلق. - الإدغام: تُطبق أحكام الإدغام العامة على حروف كلمة “يرملون”، وتُقسم هذه الحروف إلى أقسام الإدغام الرئيسية، هما:
الإدغام بغنة: يُطبّق حكم الإدغام بغنة على أربعة حروفٍ تجتمع في كلمة “ينمو”، ففي حال تلى أحد هذه الحروف نونًا ساكنة أو تنوينًا؛ بشرط أن تأتي النون الساكنة في آخر الكلمة الأولى، أما في حال مجيء حرف الإدغام في مطلع الكلمة الثانية فيكون الحكم هنا الإدغام بغير غنة، وبذلك فإن الإدغام يتطلب جبرًا عدم الجمع بين حروف الإدغام والنون الساكنة في الكلمة ذاتها.
الإدغام بغير غنة: يُطبق الإدغام بغير غنة على حرفين هما “ل،ر“، ويشترط في تطبيقه على هذه الحروف وقوع أحدهما بعد النون الساكنة منفصلًا عنها أو أن يأتي بعد التنوين. - الإقلاب: يتم تطبيق أحكام الإقلاب على الحرف ب فقط دون غيره من حروف اللغة، بحيث يطغى نطق حرف الباء في حال إتيانه بعد النون الساكنة، ويمكن تمييزه في حال وجود الرقعة فوق حرف النون وفقًا للكتابة القرآنية، أما عند تحويل النون المنونة المقلبة فيتم ذلك في حال وجود واحدة من الحركات الثلاث وهي الضمة أو الفتحة أو حتى الكسرة فوق الحرف الأخير من الكلمة السابقة لحرف الباء.
- الإخفاء: يُطبق حكم الإخفاء على الأحرف (ص، ذ، ك، ث، ش، ث، س، ز، د، ط، ف، ض، ظ، ج)، ويشار إلى أن هذا الحكم يتطلب ضرورة النطق بالحرفين كأنهما ما بين الإظهار والإدغام مع خلو التشديد، وتُجمع هذه الحروف في مطلع كلمات البيت الشعري: صف ذا ثناياكم جاد شخص قد سما… دم طيبًا زد في تقى ضع ظالمًا.
أحكام الميم والنون المشدَّدتين
تصبح الغنة واجبة في حال وجودِ ميم والنون مشدودتين، ويتمثل ذلك في حالتي الوصل أو الوقف بغض النظر عن موقعها في
آخر الكلمة أو حتى منتصفها، ويبلغ مقدار الغنة حركتين فقط.
تنقسم الأحكام الخاصة بالمدود إلى: (المد الطبيعي، المد اللازم، المد اللازم الحرفي، المد الواجب، المد الجائز، المد البدل،
المد اللين، مد الصلة، مد العوض أحكام الميم).
أحكام الميم الساكنة
بعد التطرق في البند أعلاه إلى جميع أحكام التجويد كاملةً، أصبح لا بد من إكمال الشرح ليكون وافيًا والتعمق في أحكام
الميم الساكنة، وتاليًا أهم التفاصيل حول ذلك:
تعريف الميم الساكنة: يمكن تعريف الميم الساكنة بأنها كل حرف ميم (م) يأتي خاليًا من أي حركة من حركات اللغة العربية
بغض النظر كانت حرفًا أو في اسم أو في فعل، ويصبح سكونها ثابتًا في حالتي الوصل والوقف، ويطبق هذا الكلام عليها سواء
جاءت في وسط أو نهاية الكلمة، وتنقسم أحكام الميم الساكنة إلى ثلاثة أحكام، وهي الإخفاء الشفوي والإدغام الشفوي
والإظهار الشفوي، وتعتبر أحكامها شفوية لاعتبارها حرفًا شفويًا يخرج عند إطباق الشفاه.
الأحكام المتعلقة بالميم الساكنة
- الإخفاء الشفوي: حكم من أحكام الميم الساكنة التي يتم بها إخفاء الميم عند نطقها مع الاحتفاظ بالغنة وإبقائها،
ويتم ذلك في حال وقوعها قبل حرف الماء المتحرّك فقط في كلمتين منفصلتين، ويستوجب الأمر أخذ التدابير اللازمة بعدم الضغط الزائد على الشفاه عند نطقها، ويطبق الإخفاء الشفوي على حرف الميم في حال كانت أصلية أو ناجمة عن جمع، وما يدل على وجوب الإخفاء الشفوي هو خلو الميم من الحركات ولحاقها بحرف الباء المتحرك. مثال
على الإخفاء الشفوي: قوله تعالى {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة آل عمران الآية: 101). - الإظهار الشفوي: يعرف الإظهار الشفوي بأنه إبراز الميم الساكنة وإظهارها عن بقية الحروف من خلال نطقها بشكلٍ طبيعي دون غنة، ويتم ذلك في حال إتيان أحد حروف اللغة العربية باستثناء الباء والميم، وفي حال توفر الشروط وهي الميم الساكنة وأحد حروف اللغة يصبح الإظهار الشفوي واجبًا دون الغنة، ويتم الاستدلال على وجوب تطبيق الإظهار الشفوي في حال وجود علامة السكون فوق الميم. مثال على الإظهار الشفوي: قوله تعالى {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (سورة نوح الآية: 12)
- الإدغام الشفوي: يُطبّق الإدغام الشفوي عند التقاء ميم ساكنة في نهاية الكلمة مع ميم متحركة في بداية الكلمة التالية، وبناءً عليه يتم إدغام الميم الساكنة مع المتحركة بحيث تظهر كأنها ميمًا واحدة مع الشدة لتظهر الغنة بشكل واضح، ويطبق على حرف الميم فقط دون غيرها من حروف اللغة، ويمكن الاستدلال على ضرورة تطبيق الإدغام الشفوي بظهور السكون على الميم في آخر الكلمة وظهور الشدة على الميم البادئة في الكلمة التالية، ومثاله قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة البقرة الآية: 29).
أحكام التجويد للمبتدئين
يجب التنويه على أهمية وفضل تعلم علم التجويد في تلاوة القرآن الكريم ، فهو علم متعلق بخير ما أنزل على البشرية ألا وهو كتاب الله ، لذا فيجب على كل مسلم أن يتعلم على الأقل أساسيات التلاوة والقراءة لأحكام القرآن الكريم لتقلي وقوعه في الأخطاء اللغوية والنحوية التي من الممكن أن توقعه في تغيير للمعنى المراد من الآية وفي ذلك إثم.
وفي عدم تعلم هذا العلم والإهمال وعدم الاهتمام بتعلم كيفية قراءة القرآن فيه إثم وذنب كبير على المتكاسل، لذا كان لكل مبتدئٍ في تعلُّمِ هذا العلم أن يتابع مع شيخ معين يسهّل دراسة هذا العلم ويحسِّن من نطق حروف وآيات القرآن.
ونحن في موقعنا جمعنا أفضل السلاسل التي عمل عليها نخبة من العلماء لشرح علوم التجويد في القرآن الكريم وإتقان التلاوة لآيات الذكر الحكيم جمعناها في مقالتنا “أفضل سلاسل تعليم التجويد“.