الدعوة الإسلامية : بعث الله محمد -عليه الصّلاة والسّلام- إلى قريش في فترةٍ كانت تخلو منها الرسالات والشرائع، وقد مرَّت الدّعوة الإسلاميّة في ذلك الوقت بعددٍ من المراحل؛ وذلك تمهيداً لتمكين الأمة الإسلاميّة من الدعوة إلى الله على الوجه الذي ارتضاه الله -سبحانه وتعالى- لذلك، وكان لكل مرحلةٍ من تلك المراحل أهميّتها في استمرار الإسلام وعلوِّ شأنه، فقد يسَّر الله -عزَّ وجلّ- الوسائل والسبل اللازمة لإنجاح هذه الدعوة وضمان ديمومتها واستمرارها؛ وذلك مصداقاً لوعده الحقّ الذي جاء في كتابه العزيز، وحتى يتمَّ أمره الذي جعله خاتم الديانات والشرائع السماويّة.
مرحلة الدعوة سرا : استجاب رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- لأمر ربّه بعد أن أمره بالدعوة عن طريق جبريل عليه السّلام، فبدأ بدعوة أهل مكة للإيمان بالله وحده والكفر بالأصنام وجميع المظاهر الشركيّة التي كانت مُنتشرةً في ذلك الوقت، لكنَّ في تلك الفترة كانت الدعوة سرا ؛ وذلك حذراً من ردّة فعل قريش إذا ما علموا بظهور الإسلام وانتشاره، فقد كانت قريش مُتعصِّبةً لعبادتها ووثنيّتها وأصنامها، فاقتصرت دعوة النبي في تلك المرحلة على من كانت تربطه علاقةٌ وثيقةٌ بالنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حتى يضمن سريَّة ما دعاه إليه حتى إن لم يُجبه إليه، لذلك يظهر أنَّ أوَّل من آمن بالنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في هذه المرحلة هم أقرب الناس إليه، وكان أولهم على الإطلاق زوجه خديجة بنت خويلد رضى الله عنها وابن عمه علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة، وأبا بكر الصديق عبد الله بن أبي قُحافة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقّاص، وغيرهم رضى الله عنهم جميعاً.
كان هؤلاء الصّحابة -رضوان الله عليهم جميعاً- إذا ما أرادوا الالتقاء برسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يلتقون به سرّاً، وكانوا إذا ما أرادوا مُمارسة العبادات لجؤوا إلى شِعاب مكة حتى لا يراهم أحدٌ من كفار قريش، ولما زاد عدد المسلمين في هذه المرحلة عن الثلاثين ما بين رجال ونساء رأى رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أن يجعل لهم مكاناً خاصّاً للعبادة بعيداً عن أعين قريش، فاختار لهم دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان فيها يلتقي بهم فيُرشدهم ويُعلّمهم أمور دينهم، وقد بلغ المسلمون في هذه المرحلة قُرابة الأربعين، مُعظمهم من الفقراء والعبيد والضعفاء الذين ليس لهم شأنٌ في قريش.