بحث عن سورة مريم
سورة مريم
تعريف سورة مريم
سورة مريم: هي السورة التاسعة عشر في القرآنِ الكريم، تقع في الجزء السادس عشر منه، والتي تلت نزول سورة فاطر، وقد سُمّيت على اسم العذراء مريم أمّ النبي عيسى -عليه السلام- لتكونَ السورة الوحيدة في القرآن التي تمّ تسميتها على اسم امرأة، وقد ورد ذكر مجموعة من الأنبياء في هذه السورة مثل: سيدنا زكريا ويحيى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس.
هذا، وقد بدأت سورة مريم باستجابة الله تعالى لِدعاء النبي زكريا، ثم تبعها معجزة ولادة المسيح، وقد سمّاها ابن عباس
-رضي الله عنهما- سورة كهيعص. ومن الجدير ذكره أن السورة نزلت رداً على الاتّهام الشنيع الذي قام بتوجيه مجموعة من
اليهود لِلسيدة مريم وابنها عيسى -عليهما السلام- وقد ورد في السورة الكريمة الكثير من الآيات التي تدل على طهارة آل
عمران ونزاهتهم
سبب نزول سورة مريم:
تعدّدت أسبابُ نزول سورة مريم، حيثُ نزلت بعض الآيات في أوقاتٍ متعدّدةٍ لأسباب مختلفة منها ما يخص النبي
-عليه السلام-، ومنها ما نزلَ في عددٍ من المشركين رَدًّا على تصرّفاتٍ قاموا بها، وفيما يأتي بعض هذه الأسباب:
سبب نزول الآية 64:
ورد في صحيح البخاري أنّ سببَ نزول الآية 64 وهي “وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا” هو تأخّر نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن سأله أصحابه عن قصة أهل الكهف وذي القرنين،
فرجا النبيّ ربَّه أنْ ينزل جبريل -عليه السلام- ليفسّر لأصحابه ذلك، ولما نزل جبريل -عليه السلام- قالَ له النبيّ -عليه
السلام: “أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك“، فرد عليه جبريل: “إني كنت إليك أشوق ولكني عبدٌ مأمور إذا بعثتُ
نزلتُ وإذا حبستُ احتبست“.
سبب نزول الآية 66:
أمّا سببُ نزول الآية: “ويَقولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا” فقد روى الكلبي أنّها نزلت في أُبيّ بن خلف حينَما استهزأ
بكلام الله مستنكرًا عودة الإنسان إلى الحياة بعد الموت، حيث أخذَ حفنة من عظامٍ بالية وفتَّتها وقال:
“زعم لكم محمد أنّا نُبعَثُ بعدَما نموت“.
سبب نزول الآية 77:
نَزَلت الآية: “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا” في العاص بن وائل السهمي، وهو أحدُ المشركين، إذْ رُوي أنّه كان مدينًا لمسلمٍ يُدعى خباب بن الأرت، وكان يؤخّرُ دفْعَ الدّيْن له متعمّدًا حتى يرتد عن الإسلام، إذ كان يقول له: “لا أقضيك حتى تكفر بمحمّد” فردّ عليه خباب: “لا أكفر حتى تموتَ وتُبعث“، فردّ عليه السهمي مستهزئًا: “إنّي إذا متُّ ثم بعثت جِئني وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك“.
سبب نزول الآية 96:
أوردَ جلال الديم السيوطي سببَ نزولِ الآية: “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” أنها نزلت في عبد
الرحمن بن عوف لمّا هاجرَ من مكّة إلى المدينةِ مُفارقًا أصحابَه هناك، وأنّ اللهَ سيعوّضُه ويغرسُ محبّة الصالحين في قلوب
الناس.
فضل سورة مريم
ورد في فضل سورة مريم الحديث الذي روته أم سلمة -رضي الله عنها- في رحلة الهجرة إلى الحبشة
أنّ النجاشي دعا أساقفته ونشروا المصاحف حولهم، ثمّ قالوا لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:
هل معك ممّا جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من شيء؟)، فقال: جعفر نعم، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه، فقرأ عليه من صدر سورة مريم، فبكى النجاشي حتى ابتلت لحيته، وبكت أساقفته حتى بلّلوا صحفهم، وقال النجاشي: (والله إنّ هذا والذي جاء به موسى عليه السلام ليخرج من مشكاةٍ واحدة).
مقاصد سورة مريم
تشتمل سورة مريم على ثلاثة مقاصد أساسية وهي
- إثبات الوحدانية لله تعالى، وتنزيهه عن الولد حيث أن توحيد الله هو الأصل الذي لا يُقبل من الإنسان
أيّ عملٍ إن كان بهذا الأصل أي خلل. بل قد يكون العمل الذي اختلط فيه شركٌ أو رياءٌ وبالاً على صاحبه. كما أنّ أعظم الذنوب على الإطلاق؛ هو الشرك بالله تعالى، فلو جاء الموحّد ربّه يوم القيامة بشتّى الذنوب إلا أنّه لا يشرك بالله شيئاً، فربّما يغفر الله تعالى ذنوبه ويعفو عنه، ولكن إن جاء ربّه وهو مشركٌ، فلا غُفران له، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ)، وبعد ذلك يبيّن الله تعالى قول اليهود والنصارى والمشركين من اتّخاذ الله تعالى للولد، حيث قال تعالى في سورة مريم: (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا*أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا*وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا)، ويبيّن -عزّ وجلّ- آثار ذلك الادعاء الباطل على الكون؛ إذ إنّ السماوات تكاد تتشقّق، وتتكسر، وتسقط على الأرض، وتتصدّع الأرض وتتقطّع إلى أجزاء، وتنهار الجبال من شدّة هذا الادعاء الذي يكاد يدمّر الدنيا بما فيها - إثبات قضية البعث يوم القيامة، والرد على اليهود الذين اتّهموا مريم -عليها السّلام- بالفاحشة مع يوسف النجار عندما رأوها تحمل عيسى -عليه السّلام- وقد ذكر الله تعالى قولهم في سورة مريم، حيث قال: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)، ولا تزال كتبهم إلى الآن تفتري على مريم، وابنها عيسى -عليه السّلام- وتقول إنّه ولد خطيئةٍ، فردّ الله تعالى عليهم ونفى أن تكون ولادة عيسى -عليه السّلام- أمراً ناتجاً عن سِفاح، أو زنا، أو زواج، وإنّما كان خلقه كخلق آدم عليه السّلام، حيث قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وفي الآية الكريمة دليلٌ على أنّ عيسى -عليه السّلام- بريءٌ من اتهام اليهود؛ فالله تعالى يُخبر بأنّه خَلقه كما خلق آدم، ومن المعروف أنّ آدم -عليه السّلام- خُلق من غير أبٍ ولا أمٍّ، ومن غير نطفةٍ ولا بويضةٍ، وإنّما خلقه بأن قال له كن فيكون، ويدلّ قول الله تعالى في سورة مريم: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا*فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا* فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)، أنّ حمل مريم بعيسى عليه السّلام إنّما كان لساعاتٍ، وليس لأشهرٍ كما حمل النساء بالوضع الطبيعي، كما قال مُعظم المفسّرون؛ إذ إنّ قوله تعالى: فحملته، فانتبذت، أجاءها، أفعالٌ مرتّبةٌ على بعضها معطوفةٌ بحرف الفاء؛ ممّا يفيد التعقيب
- من المقاصد الواردة في سورة مريم قصة سيدنا زكريا الذي رزقه الله الولد بعد أن بلغ من الكبر عتيا.
حيث ذكر الله تعالى زكريا عليه السّلام الذي كان كفيلاً لمريم -عليها السّلام- وأسرته التي تُعتبر أسرةً مباركةً
ومن سلالة الأنبياء عبر العصور، وابنه يحيى -عليه السّلام- الذي تجمعه صلة قرابةٍ بعيسى -عليه السّلام-
فهما أبناء خالةٍ، وفي ذلك رسالةٌ مفادها أنّ عيسى -عليه السّلام- آيةٌ من آيات الله تعالى ورسولٌ من رسله، وليس كما يتّهمه اليهود.
الدروس المستفادة من سورة مريم
- التركيز على وحدانية الله عز وجل وبيان أنه الله الواحد الأحد، لا شريك له في الملك، ولم يلد، ولم يولد
وبذلك تمت نفي دعوة النصارى المعروفة بأن عيسى ابن مريم هو ابن الله تعالى. - بيان قصص لِعدد الأنبياء؛ حتى تكون عبرة وعظة للعبد المسلم فيستفيد منها.
- كذلك من الدروس المستفادة من سورة مريم التأمل والتدبر؛ حيث تدعوا السورة العبد المسلم إلى إعمال عقله في سبب ذكر الله تعالى لِعبده زكريا.
- تنزيه الله تعالى عن أي نقص؛ حيث بينت السورة التذكر ليس عكس النسيان فقال تعالى ” لا يضل ربي، ولا ينسى”، كما قال تعالى ” وما كان ربك نسيا”، وبذلك فإن التذكر هنا يكون رفع لمقام زكريا عليه السلام، واستجابة لدعوته.
- أيضاً، من الدروس التي يأخذها المتعلم من سورة مريم، تعلم آداب الخطاب وذلك يتضح في عدة أمور منها النداء الخافت؛ لأن الله تعالى يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. كما يتعلم العبد التذلل إلى الله قبل الطلب، ومن ذلك أن سيدنا زكريا عليه السلام بدأ دعوته بقوله ” ربي إني وهن العظم مني، واشتعل الرأس شيبا.