حكم صلاة الجماعة عند الأئمة الأربعة للرجال والنساء

إن معرفة حكم صلاة الجماعة من الأمور المهمة التي يجب أن يعرفها الرجل المسلم وأن يتعلمها حيث أن الصلاة من أهم العبادات في الإسلام وأجلها، فإن لها خصيصة كبيرة حيثُ هي العبادة الوحيدة التي فُرضت من فوق سبع سماوات في ليلة الإسراء والمعراج.

عند الكلام عن الخلاف الموجود في حكم صلاة الجماعة عند العلماء قد يتراءى لذهن البعض أن لماذا يختلف هؤلاء العلماء أليس هذا من الفُرقة بين المسلمين لماذا لا نجتمع على كلمة واحدة وينتهي الأمر؟

اقرأ أيضًا.. ماهي مبطلات الصلاة ومكروهاتها عند المذاهب الأربعة.

يقول أحد العلماء: أهل العلم أهلُ توسعة وما برح المُفتون (جمع مُفتي) يختلفون، فيُحلل هذا ويُحرم هذا فلا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على هذا. ويقول ابن قدامة: اختلافهم رحمة واسعة، كما كان إجماعهم حجة قاطعة. ويجب أن نعلم أن أصحاب رسول الله اختلفوا مع الاتفاق على الأصول.

قال عمر بن عبد العزيز: ما يسرني لو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنه لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.جاء رجلٌ ومعه كتاب للإمام أحمد وقال: جمعتُ فيه-أي في الكتاب- الخلافَ، وسميته كتاب الاختلاف. فقال الإمام أحمدُ: لا تُسَمِّهِ كتاب الاختلاف، سَمِّهِ كتاب السَّعة. وكان طلحة بن مُصَرَّف(أحد العلماء) إذا ذُكر عنده الاختلاف قال: لا تقولوا الاختلاف ولكن قولوا السَّعة. 

لعلك تقول أوافقك أن اختلافهم فيه رحمة وسعة ولكن لم يختلفون؟ أقول لك إن الله بحكمته سبحانه قضى أن البشر مختلفون ولابد فالاختلاف سنة بشرية نتيجة لاختلاف العقول ومناهج الفهم، فإن الصحابة أنفسهم اختلفوا عند رسول الله في مواقف مختلفة من أشهرها حادثة صلاة العصر في غزوة بني قُريظة، فليُراجعها وليُراجع استدلالها من أراد من هنا.

والآية من القرآن التي تقول لنا أن البشر لابد سيختلفون لأن ربنا خلقنا بهذا الاختلاف الطبيعي، يقول ربنا سبحانه: <وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ< (هود – 118). وليس المراد من الخلاف النزاع بل تفتح العقلية المسلمة فنبتعد عن النظرة الأُحادية للآراء فإن العلماء وإن اختلفوا مع بعضهم لا يُسفهون آراء بعضهم ويعلمون أنهم على هُدى وإن فهموا غير الذي فهموه.

ونضرب مثالا أن الإمام مالك رحمه الله نَهى أبا جعفر المنصور عن اعتماد مذهبه الفقهي وتعميمه في الأمصار والبلاد الإسلامية المختلفة فقال له: لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويلُ وسمعوا أحاديثَ ورَوَوْا رواياتٍ ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله وغيرهم وإن ردَّهم عما اعتقدوه شديد فَدَعِ الناس وما هم عليه.

إن حكم صلاة الجماعة عند الأئمة ينقسم إلى أكثر من رأي منهم من يرى الوجوب العيني على الفرد (فرض عين). ومنهم من يرى الوجوب الكِفائي على الأفراد (فرض كفاية). ومنهم من يرى أنها سنة مؤكدة. وسنحاول أن نتعرض تعرضا سريعا لكل قول منهم وذكر المتبع في المذاهب الأربعة (الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية).

الرأي المنصوص عليه عند الإمام أحمد بن حنبل هو أن صلاة الجماعة فرضُ عينٍ، والمقصود بفرض العين أنها تَجب على كل مُسلم ذكر قادر ليس له عذر، ومعنى هذا أنها ليست بواجبة على النساء ولا على الأطفال ولا على أصحاب الأعذار المانعة من صلاة الجماعة. والإمام ومن تبعه لهم أدلة في ذلك قد نذكر بعضها ولكن مناقشة الأدلة يُرجع فيها لكُتب أهل العلم فليس هذا موضعها.

الرأي المُختار الصحيح عند علماء الشافعية أن صلاة الجماعة – فيما عدا صلاة الجُمُعة – فرضُ كفاية بمعنى أنه إن قام بعض المسلمين بها في جماعة سقطت عن الباقين، فيجوز صلاتها منفردا ولكن إن لم تُؤَدَ الصلاة مطلقا في الجماعة في المسجد في بلدة ما أثم أهلُ البلدة كلهم.

المعروف عن أصحاب أبي حنيفة أن صلاة الجماعة عندهم سنة مؤكدة فإن الصلاة منفردا لها أجر ولكن أجر الجماعة أعظم، وذلك لما رواه البخاري ومسلم من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: <صلاةُ الجماعة تَفْضُلُ صلاةَ الفَذِّ (الفرد) بسبعٍ وعشرين درجة> وذكروا غيرها من الأدلة.

أكثر أصحاب الإمام مالك يرون أن صلاة الجماعة سنةٌ مؤكدة كمذهب أبي حنيفة رحمه الله وأصحابَه.

تنبيه هام: ونود التنبيه مرة أخرى أن مناقشة الأدلة لكل مذهب ليس محلها هذا المقال بل محلها مجالس أهل العلم وكتبهم، فإنا إن ذكرنا دليلا من آية أو حديث أو قياس وغيره في خلال هذا المقال فإننا نقله فقط ولا نختار ولا نُرجح شيئا فإن هذا لا يكون إلا من أهل العلم الفقهاء.

كما رأيت أن مذاهب العلماء متنوعة فمنهم من يرى الوجوب (فرض عين)، ومنهم من يرى أنها فرض كفاية، ومنهم من يرى أنها سنة مؤكدة. وينبغي هنا التنبيه على أمر وهو: عندما يقول العلماء بأن الجماعة فرض كفاية أو سنة مؤكدة ليس معناها التذرع بترك الجماعات فإن إهمال صلاة الجماعة فيها هجر للمساجد والصلاة من أهم شعائر الإسلام التي يقوم بها المسلم، فيجب التنبه لذلك.

والأمر في الأخير فتوى فعليك بالسعي إلى مُفتٍ تثق فيه أو تتصل بدار الإفتاء في بلدك مثلا، وإن كانت طالب علم فأنت مذهبك في صلاة الجماعة مذهب من تدرس معه، فكما يقول العلماء: طالب العلم لابد له من مذهب، والعامي مذهبه مذهب مُفتيه.

صلاة الجماعة في البيت أفضل من صلاة الفرد وأعلى في الدرجات وفيه أجر الجماعة، وإن كانت الصلاة في المسجد لها مقام خاص، فهي سنة كما يقول العلماء، والله أعلم.

اقرأ أيضًا.. فضل صلاة الجماعة وأهميتها في المسجد وثوابها في البيت.

يجوز صلاة القضاء جماعة لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق لما نام هو والصحابة عن صلاة الفجر، فلما قاموا وكان قد فات وقتها صلوا معا في جماعة.

هناك بعض الأعذار التي قد تُسقط صلاة الجمعة منها السفر مثلا، فإن كان هناك مسافرون وفي خلال سفرهم صلوا معا الظهر جماعة فلا بأس في ذلك طلبا لثواب الجماعة.

صلاة الجماعة في المسجد مع التباعد جائز خاصة إن كان يُقلل من فرصة انتشار العدوى كما رأينا جميعا ما حدث في فيروس كورونا فهو من الأعذار المبيحة للتباعد في صلاة الجماعة.

صلاة الجماعة للنساء سنة مُستحبة، ولكن هنا أمر يتوجب ذكره أن المرأة التي تَؤمُّ النساء تكون في وسط النساء والمأمومات معها يَكُنَّ عن يمينها وعن شمالها ولا تتقدمهن، وهذا لما رُوي إلينا من فعل أمنا عائشة وأم سلمة لذلك وهي تَؤمُّ النساء في الجماعة.

اقرأ أيضًا..

الجماعة سواء داخل المسجد أو خارجه فهي أعلى في الأجر من الصلاة منفردا لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: <صلاة الجماعة تَفْضُلُ عن صلاة الفَذِّ (الفرد) بسبعٍ وعشرين درجة>.

حاولنا أن نمر سريعا على أمر يهم كل مسلم في حياته وهو إقامة شعيرة الصلاة التي هي عماد الدين في جماعة، وذكرنا آراء الأئمة الأربعة الكِرام رضي الله عنهم في صلاة الجماعة، وتعرضنا لبعض أنواع من الجماعة كالصلاة في البيت وخارج المسجد وصلاة الظهر جماعة في يوم الجمعة والصلاة جماعة مع تباعد المصلين، فنرجو النفع لنا ولكم وأن نكون ممن قال الله تعالى فيهم <والمُقيمين الصلاة>.