نحن اليوم سنتحدث عن قصص من السيرة النبوية التي تسلط الضوء على التسامح. فالرسول الكريم هو مثالنا الحسن و أسوتنا الأعلى في جميع جوانب الحياة. كما قال الله تعالى في القرآن: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” [الأحزاب:21].
أعطانا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دروساً في التعامل بالتسامح والعفو والصفح عند الإمكانية، ولم يكن يقابل الإساءة بالإساءة ولم يحمل ضغينة وحقداً تجاه أية شخصية أذاه. وكان هناك فترة صعبة تعرض فيها المشركون بالاذى الشديد على الرسول والتجريح، لذلك طلب الصحابة من الرسول أن يدعوا الله تعالى من هؤلاء المشركين. ولكن أجاب نبينا الكريم قائلاً “إني لم أبعث لعانًّا وإنما بعثت رحمة” (رواه مسلم).
يقول نبينا صلى الله عليه وسلم،: «من كظم غيظا، وهو قادر على أن ينفذه دعا الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من الحور العين، يزوجه منها ما شاء». حيث يؤكد النبي علينا في هذا الحديث على أن كظم الغيظ والتصرّف بلطفٍ ورحمةٍ تجاه الآخرين يعد من الأفعال المهمة، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) وذلك يعني أن التسامح والعفو عن الآخرين، وحتى الذين قاموا بالاساءة إليه، يعد من الصفات الرجولية والأخلاق الكريمة، التي لا يزيد الإنسان مكانه في العالم إلا بالعز والكرامة. وقد توجه النبي سلام الله عليه وسلم نداءاً إلى عُقبة بن عامر، يطالبه فيه بالتحلي بالصبر والعفو تجاه من ظلموه، بقوله: “يا عُقبة! صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَك”.
والله يامرنا بالتسامح ونسيان الأذى الذي لحق بنا، وذلك يظهر في قوله: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ”.
تسامح الرسول مع من قام بإيذائه
من بين الأحداث الهامة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم التي تعكس درجة التسامح العالية التي كان يتحلى بها شخصيته النبوية. وحدث هذا الحادث عندما فتحت مكة، وتولى سيدنا محمد السيطرة عليها، وكان الذين كانوا يعارضونه هناك لا يزالون يؤذونه باتهامات باطلة لا يوجد لها أي دليل شرعي.
ومع ذلك، لم يتخذ رسولنا الكريم إجراءًا للرد على الإهانة التي تعرض لها، بل قال لهم: “اذهبوا، أنتم الطلقاء”.
تسامح وعفو الرسول عن الأعرابي
يقتضي التسامح رسالة دينية لم يتوقف عنها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقد علمنا تسامحه مع الجاهلية وتفهيمه بأهمية الانفتاح على الآخرين وتقبلهم، واستشرافه لمنافع الصلح والتعايش مع المجتمع، مما جعله قدوة بارزة لمن يطبقون رسالته ويعملون على تغليب النزاع بين الناس.
خلال إحدى الحملات العسكرية، كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يستريح تحت شجرة وكان قد علق سيفه عليها، وفجأة رأى رجلاً عربيًا يأخذ سيفه ويضعه على عنقه ويسأله: “أتخافني؟”، فرد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “لا”، وسأل العربي ما الذي يمنعه منه، فأجاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “الله يمنعك”. وفجأة سقط السيف من يد العربي، فأخذه الرسول وأشار به إلى العربي وسأله: “من يمنعك مني؟”، فأجاب العربي كن خيراً مني، فسأله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟”.
يقول الأعرابي: “لا، لكني أعدك بأنني لن أقاتلك أبدًا ولن أكون مع الناس الذين يحاربونك”. ثم قام النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ليتركه يذهب، فعاد الأعرابي إلى أصحابه وقال لهم: “لقد جئت من طيبي الناس”.
تسامح الرسول مع الجار اليهودي
كان هناك جار يهودي يسكن بجوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يرغب في إيذاء النبي ولكنه كان يخاف من الصحابة أن يقوموا بمعاقبته. لذا، بدلاً من ذلك، كان يضع القمامة والقاذورات أمام بيت النبي كل يوم. وعندما كان النبي يخرج في الصباح ويجد القاذورات، كان يزيلها ويذهب في طريقه. وفي يوم ما، مرض الجار اليهودي بشكل شديد وكاد أن يموت. وعندما جاء النبي لزيارته، كان الجار يستغرب من قدوم النبي إليه في ظل حالته المرضية. وعندما سأل النبي عن سبب زيارته، قال إنه لم يجد القاذورات والقمامة أمام بابه، وأنه كان يفعل هذا كل يوم.
فبسبب تسامح وطيب أخلاق النبي، تأثر الجار اليهودي وبكى من العفو والرحمة التي قدمها له المسلمون ودخل دين الإسلام. وقد نصح الله عز وجل في سورة آل عمران حيث قال الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»وهذه نصيحة الله تعالى لرسوله يعامل المؤمنون الآخرين بالرحمة واللطف والتسامح، وأن يتشاوروا معهم في الأمور ويسامحوا و يعفوا عنهم.
تسامح الرسول مع أحد كفار غزوة أحد
تعرض رسولنا الكريم لحادث أثناء غزوة أحد حيث انزلقت قدميه في حفرة وكاد الكفار ينتصرون في المعركة، وعندئذٍ جاء أحد الكفار وضرب النبي عليه الصلاة والسلام على رأسه بالسيف حتى دخل في وجهه الكريم حديد القناع الذي كان يرتديه، ما أدى إلى تكسر رباعية أسنانه.
وتم إخراجه من الحفرة بواسطة الصحابة، وحاول أبو بكر بنسخ الدم المتساقط من على وجهه وإخراج الحديد، لكنه لم ينجح، وقام أبو عبيدة بن الجراح بالإخراج بأسنانه حتى تكسرت أسنانه. بعد ذلك، رفع رسولنا يده للسماء، وتوقع الصحابة أن يدعوا بلعنة الكفار، ولكنه دعا “اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون”، مما يدل على دروس التسامح والحفاظ على الهدوء والسكينة التي يعلمنا إياها رسولنا الكريم.
تسامح الرسول مع المرأة اليهودية
اقتربت إلى الرسول امرأة يهودية بعد انتصار المسلمين في خيبر، وكانت تحمل شاة مملوءة بالسم، وقامت بوضع سماً قوياً فيها، فتناول الصحابي بشر بن براء منها وتوفي بعد ذلك، وتناول الرسول قطعة صغيرة من الشاة، وعندما حذره الشاه بأن الشاة بها سم قاتل، قام النبي بمنع باقي الصحابة من تناول الشاة، واستدعى المرأة التي وضعت السم، وسألها عن الشاة، فاعترفت بأنها وضعت السم لترى إن كان النبي رسولاً من عند الله أم لا، وقالت: “فإن كان النبي رسولاً من عند الله فإن الله يرشده على أمر الشاة”، فعفا النبي عن المرأة، ولكن الصحابي بشر بن براء توفي، وترك النبي قضية المرأة ليتم الحكم عليها، ويُقال أنها قبلت الإسلام بعد ذلك الحادث.
العفو ومسامحة فضالة بن عمير
بعد فتح مكة، قام الرسول صلى الله عليه وسلم بطواف البيت في يوم من الأيام بينما كان فضالة بن عمير يتظاهر بالإسلام ويتبعه، وينتظر الفرصة المناسبة ليقتله. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم شعر بوجوده، فتوقف وسأله عن نفسه. أجاب فضالة بأنه كان يذكر الله، فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم فضالة بالاستغفار ووضع يده على صدره حتى تهدأ نفسه، فأدرك فضالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أحب الناس إلى قلبه.
تسامح الرسول مع من الخدم في منزله
كان لدى الرسول صلى الله عليه وسلم خادم اسمه أنس، وكان أنس يقول إنني خدمت هذا الرسول لمدة عشر سنوات، ولم يلومني أو يعاقبني على شيء لم أفعله، ولم يشتمني مطلقاً. بالإضافة إلى ذلك، لم يسألني عن الأشياء التي فعلتها ولماذا فعلتها.
قدّمنا لكم بعض المواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي توضّح تسامحه، وذلك ليستفيد منها الجميع ويتعلموا منها كيفية التسامح مع بعضهم البعض.