قال تعالى { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} سورة التوبة آية 51
نزلت هذه الآية الكريمة في سورة التوبة، وهي سورة مدنية نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند رجوعه إلى المدينة من غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، حيث خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لملاقاة الروم، وكان الجو وقتها شديد الحرارة، والسفر بعيد، ونضجت الثمار وطابت، وأخلد الناس إلى نعيم الحياة، فكانت ابتلاء لإيمان المؤمنين، وامتحانًا لصدقهم وإخلاصهم لدين الله، وتمييزاً بينهم وبين المنافقين الذين قعدوا وأخلدوا إلى الأرض.
اقرأ أيضًا.. أفضل سلاسل شرح علوم القرآن الكريم الشاملة.
سبب نزول قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
أوضحت السورة الكريمة -سورة التوبة- حال المشركين وكيف كانوا ينقضون عهدهم مع المسلمين، ويستغلون أي فرصة للهجوم على المسلمين، وبينت حال المنافقين المثبطين، الذين قعدوا عن نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وكرهوا الخروج لنصرة الإسلام، وتجهّز جيش المسلمين وقد سُمي بجيش العسرة، وتخلّف المنافقين عنه، فأنزل الله فيهم آيات تُتلى إلى يوم القيامة، كشف فيها ما يخفونه في أنفسهم، فهم لا يحبون أن ينصر الله المسلمين على عدوهم، ويفرحون إذا هُزم المسلمون.
قال تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) }.
تفسير قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
اجتهد المفسرون في تفسير آي القرآن الكريم، في كل زمان، فمعاني القرآن لا تنفد، وترك العلماء والمفسرون ميراثًا عظيمًا من علوم القرآن تساعد كل من يرد أن ينهل من علومه، وفي هذه المقالة نقدم لكم تفسير الآية (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) من تفاسير أشهر علماء التفسير.
تفسير القرطبي
قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
قوله تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا قيل: في اللوح المحفوظ. وقيل: ما أخبرنا به في كتابه من أنا إما أن نظفر فيكون الظفر حسنى لنا، وإما أن نُقتل فتكون الشهادة أعظم حسنى لنا. والمعنى كل شيء بقضاء وقدر. وقد تقدم في (الأعراف) أن العلم والقدر والكتاب سواء.
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مؤدِّبًا نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عنك: (لن يصيبنا)، أيها المرتابون في دينهم (إلا ما كتب الله لنا)، في اللوح المحفوظ، وقضاه علينا (هو مولانا)، يقول: هو ناصرنا على أعدائه (وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، يقول: وعلى الله فليتوكل المؤمنون, فإنهم إن يتوكلوا عليه، ولم يرجُوا النصر من عند غيره، ولم يخافوا شيئًا غيره, يكفهم أمورهم، وينصرهم على من بغاهم وكادهم.
تفسير ابن كثير
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون(51).
فأرشد الله تعالى رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة، فقال: (قل) أي: لهم (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) أي: نحن تحت مشيئة الله وقدره، (هو مولانا) أي: سيدنا وملجؤنا (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) أي: ونحن متوكلون عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فمما تقدم من تفاسير الآية الكريمة نجد أنها تدور حول التسليم لقضاء الله والرضا عن قدره كما جاء في الحديث الشريف.
فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: “يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”.
فدائما تذكر هذه الآية عن وقوع المصائب ومكر الناس بك، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، قلها في نفسك واجهر بها واطمئن.
إعراب قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
إعراب الآية الكريمة (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
الكلمة | إعرابها |
قُلْ | فعل أمر مبنى على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره ” أنت” مبني في محل رفع. |
لنْ | حرف نفي ونصب |
يُصِيبَنا | يُصِيبَ: فعل مضارع منصوب لأنه سبقته أداة النصب (لنْ)، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ونا: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. |
إلّا | أداة حصر |
ما | اسم موصول مبني في محل رفع فاعل. |
كَتَبَ | فعل ماضٍ مبني على الفتح. |
اللّهُ | لفظ الجلالة فاعل مرفوع على التعظيم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. |
لَنَا | (اللام) حرف جر مبني لا محل له من الإعراب، نا: ضمير متصل مبني في محل جر. |
جملة (كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) | لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ما. |
جملة (قُلْ…) | استئنافية لا محل لها من الإعراب. |
جملة (لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا…) | في محل نصب مقول القول. |
هُوَ | ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. |
مَوْلَانَا | مَوْلَى: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، وهو مضاف. و(نا) ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه، والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها من الإعراب. |
وعلى | الواو: عاطفة، لا محل لها من الإعراب، على: حرف جر مبني. |
اللّه | لفظ الجلالة اسم مجرور على التعظيم، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. |
فَلْيَتَوَكَّلِ | الفاء: رابطة لجواب شرط مقدّر. و”اللام” لام الأمر.
يَتَوَكَّلِ: فعل مضارع مجزوم لأنه سبقته أداة جزم وهي لام الأمر، وعلامة جزمه السكون لأنه صحيح الأخر، وحرّك بالكسر منعًا لالتقاء ساكنين. |
الْمُؤْمِنُونَ | فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم. |
جملة (لْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) | في محل جزم واقعة في جواب شرط مقدّر. |
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا في المنام
حين رؤية آية قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا في المنام فهذا لم يثبت أنه يدل على شيء ولم نجد مصدرًا موثوقًا فيه معلومات كافية عن هذا الأمر.
وفي ختام مقالنا قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، نكون قد قدمنا لكم أسباب نزول الآية الكريمة، وتفسيرها في أشهر التفاسير، وإعراب قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وما يؤكد معناها من السنة النبوية المشرفة، ونرجو أن نكون قراءة ممتعة.