وضع العلماء العديد من التعريفات لكبائر الذنوب، فقيل إنها الذنوب التي أوجب الله عليها الحد في الدنيا وفي الآخرة النار لمن يفعلها، عن ابن عباس قال: “هي الذنوب التي اختتمها الله سبحانه وتعالى بغضب أو لعن أو عذاب أو نار”، وسوف نتناول الحديث عن تلك الكبائر بشيء من التفصيل.
اقرأ أيضاً ماهو خطر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع وآثارها على العبد
ما هي كبائر الذنوب؟
تعرف الكبائر في اللغة على أنها الإثم، وهي كلمة جمع والمفرد منها “كبيرة”، بينما تعرف في الاصطلاح على أنها كل فعل حرام محض، وتشير جميع الأدلة على ما وعد الله به مرتكبها من نار في الآخرة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ”.
ما هي أنواع كبائر الذنوب
تعددت آراء العلماء حول عدد الكبائر فمنهم من قال أنهم السبع الموبقات، ومنهم من قال أنهم سبعون، وقال آخرون أنهم سبعمائه، بينما أجمع بعض العلماء أنه قد قام الشرع بتحريمه، ومن أنواع كبائر الذنوب:
كبيرة الشرك بالله
يعد الشرك بالله من أولى الكبائر ولا يقتصر الشرك بالله على عبادة إله آخر دونه، بل هو أيضا الرياء في العمل ولكن يظل الشرك بالله الذنب الأعظم الذي لا يقوم الله بغفرانه.
كبيرة عقوق الوالدين
تأتي تلك الكبيرة بعد الشرك بالله مباشرة بل وتعد في نفس مكانتها، إذ أن عقوق الوالدين ذنب عظيم، وذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم قائلا: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
كبيرة القتل
كذلك يعد قتل النفس (التي حرم الله قتلها إلا بالحق) كالشرك بالله؛ لما فيه من تدخل في شئون الله وخلقه فالروح بيده وحده يقبضها متى يشاء، وقال تعالى: (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ).
كبيرة السحر
يقوم الكثيرون بالاستعانة بالجن والشياطين لقضاء حاجاتهم بدلا من التقرب إلى الله ومناجاته ليقضي حاجته، لذلك جعل الله استخدام السحر من الكبائر كما يحرم من يقوم به من دخول الجنة.
كبيرة ترك الصلاة
الصلاة هي عماد الدين وصلة بين العبد وربه فإن انقطعت انقطع باب الوصل ومن يغفل عنها ويتركها كمن يترك دينه.
كبيرة إفطار رمضان عن عمد
إفطار يوم من رمضان لا يعادله صيام الدهر كله، لذلك لا يوجد ما يمنع الصيام إلا وجود عذر شرعي كالحائض والنفساء أو المريض أو المسافر.
كبيرة منع الزكاة
أوجب الله الزكاة على كل مسلم ومسلمة قادرين، ومن يمنع ذلك يلق عذابا كبيرا ويحل عليه غضب الله.
ويوجد العديد من الكبائر الأخرى والتي نوضحها لكم ببعض التفصيل:
كبيرة الزنا
حذرنا الله تعالى من اقتراب الزنا فقال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا زنى العبد خرج من الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه”.
كبيرة الربا
لعن الله من يتعامل بالربا وفقا لما جاء في الحديث الشريف “لعن الله آكل الربا وموكله”، وقال تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ -278- فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ).
كبيرة اللواط
قام الله تعالى بلعن من يفعل مثلما كان يفعل قوم لوط فعن رسول الله قال: “لعن الله من عمل قوم لوط”، وقال تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ -165- وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ).
كبيرة أكل مال اليتيم
أمرنا الرسول بحسن معاملة اليتيم حيث قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة)، بينما ذكر الله تعالى في كتابه الكريم “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حتى يبلغ أشُده” وآية أخرى تقول: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً”.
الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب
تعتبر كلا من الغيبة والنميمة من الكبائر، والغيبة تعني أن يذكر العبد أخاه بما يكره، وذكر الله سبحانه وتعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، في حين يقول رسول الله عن النمامين (لا يدخل الجنة نمام)، لذلك يجب الحذر وعدم اتباع من يمشون بالغيبة والنميمة بين الناس لتجنب الوقوع في معصية الله.
ما هي الكبائر والصغائر من الذنوب؟
ومما سبق يمكن أن نستنتج تعريف الكبائر ونستعين بما قاله القرطبي عن الكبائر: “هو كل ذنب ذكر عظمه أو كبره أو ذكر في حقه وعيد بالعقاب أو ترتب عليه حد أو شدد النكير عليه فهو كبيرة”.
بينما الصغائر هي ما يقوم به العبد دون أن يدرك عظم فعله وحرمانيته واندراجه تحت بند الصغائر ومنها ما يأتي:
- التعصب والغضب، وما ينتج عنهما من شتم وسباب وقد يصل الأمر إلى القتل ليتحول إلى كبيرة من الكبائر.
- الشتم والسب، قد يتبين للبعض أنه فعل صغير لا يلقى له بالا ولكنه ذنب لو تعلمون عظيم.
- الحقد والحسد، عدم رضا العبد بما قسمه الله له وطمعه في ما عند غيره بل ويصل الأمر لتمني زوال النعمة من عند الغير.
- الغش في البيع، الغش في الميزان هو كبيرة من الكبائر التي توعد الله لمرتكبيها بالعذاب الشديد، بينما الغش في سلعة أو بضاعة وبيعها وبها عيب دون إخبار المشتري فذلك صغيرة يحاسب عليها الله.
ما هي الذنوب التي لا تموت؟
الذنوب التي لا تموت هي التي يفعلها للعبد تجاه خلق الله سواء كان حيوانا أو إنسانا، ومن الأمثلة على ذلك:
- ضرب وجوه الحيوانات، جاء عن أبي داود عن جابر -رضى الله عنهما- قال: “مر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه فقال: أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها”.
- استحلال المال العام، يعد استحلال المال العام من الذنوب التي لا تموت، وهناك العديد من المواقف التي كان يقوم بها الصحابة لتجنب الوقوع في ذلك الذنب ومنها: ما ذكر عن عمر بن عبد العزيز حفيد بن الخطاب، عندما تم تقسيم عطور بيت المال بين يديه، قام بوضع يده على أنفه يسدها، وعندما سئل عما يفعل قال: “وهل يستفاد منه إلا برائحته؟!”.
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب؟
نستدل من القرآن الكريم والسنة النبوية على ما يحبه الله ورسوله من أعمال، ويغفر الله بها ذنوب عباده ويرفع درجاتهم، والاستغفار هو أحد تلك الأعمال التي يُغفر بها الذنوب ويُكفر بها عن السيئات حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ولذلك على كل مذنب أن يبادر بالتوبة والاستغفار قبل أن يغلق باب التوبة وينزل العذاب.
كيف أتوب إلى الله من كبائر الذنوب؟
لكي يتوب العبد من ذنب قام به عليه أولا أن يعترف به، وتكون التوبة من خلال مكفرات الكبائر ومنهم:
- صدق التوبة.
- الندم على ما قام به من ذنوب.
- صدق النية في البعد عن ذلك الذنب وعدم الرجوع إليه مرة أخرى.
- إسباغ الوضوء على المكاره.
- كثرة الخطا إلى المساجد.
- انتظار الصلاة بعد الصلاة.
وكذلك يفضل أن يصلي العبد التائب إلى الله ركعتين وذلك لما ورد عن رسول الله: (ما مِن عبدٍ مؤمنٍ يُذنِبُ ذَنبًا فيَتوضَّأُ فَيُحسِنُ الطُّهورَ، ثمَّ يصلِّي رَكْعتينِ فيستَغفرُ اللَّهَ تعالى إلَّا غَفرَ اللَّهُ لَهُ ثمَّ تلا وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).
وفي النهاية نستنتج أن كبائر الذنوب هو كل ذنب لعن الله فاعله وتوعده بالنار في الآخرة وأوجب عليه الحد في الدنيا، بينما الصغائر هي ما نهى الله عن فعله ولكن لم يذكر فيه لعن أو وعيد بالنار وهي معصية محرمة.