كيفية نزول القرأن الكريم :
نزل القرآن الكريم على مرحلتين؛ حيث نزل في المرحلة الأولى جملةً واحدةً، وكان ذلك ليلة القدر، إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، حيث قال الله تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر)، وقال أيضاً: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)، ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثمّ نزل بعد ذلك في عشرين سنةٍ)، قال الله تعالى: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا)، ثمّ نزل القرآن الكريم مفرّقاً بواسطة جبريل عليه السلام على قلب محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- خلال ثلاثٍ وعشرين سنةٍ، كما أنّه نزل على سبعة أحرفٍ، فقد روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ هذا القرآنَ أُنزِل على سبعةِ أحرُفٍ، فاقرَؤوا ما تيسَّر منه)، وقد اختلف العلماء في المقصود من الأحرف، ولكنّ أكثر أهل العلم قالوا إنّ الأحرف السبعة هي سبعة أوجهٍ من المعاني المتقاربة بألفاظٍ مختلفةٍ، مثل: تعال، وأقبل، وهلمّ، ومن الجدير بالذكر أنّ جمهور العلماء قالوا إنّ الكتب السماوية السابقة نزلت جملةً واحدةً، ولكنّ القرآن نزل مفرّقاً لحكمٍ عديدةٍ؛ منها: تثبيت قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتربية الأمة الجديدة، ومسايرة الحوادث، والتدرّج في التشريع، وتسهيل حفظ القرآن وفهمه على الصحابة رضي الله عنهم، وخاصّةً أنّ أغلبهم لا يُجيدون القراءة والكتابة، وتحدي الكفّار، وإثبات عجزهم عن الإتيان بمثله.
في عهد النبي عليه الصلاة والسلام:
حيث إنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يجمعون القرآن الكريم عن طريق حفظه في صدورهم، بالإضافة إلى كتابته في صحفٍ متفرقةٍ من جريد النخل، وهو ما يسمّى بالعسب، والحجارة الرقيقة التي كانت تسمى باللخاف، والرِقاع وهي الأوراق، والجلد، وعظام الأكتاف، والأضلاع، وبعد ذلك كانوا يجمعون ما كتبوه في بيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي الحقيقة إنّ القرآن الكريم لم يجمع خلال حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- في مصحفٍ واحدٍ، بل كان متفرّقاً بين الرِقاع، والعسب، والعظام، ويرجع السبب في عدم جمعه إلى أنه نزل مفرّقاً خلال ثلاثٍ وعشرين عامٍ حسب الحوادث، وكان يُنسخ منه ما أراد الله -تعالى- له أن يُنسخ، بالإضافة إلى أنّ الكثير من الصحابة كانوا يحفظونه في صدورهم، ممّا جعل فتنة تحريفه مأمونةً في ذلك الوقت.
في عهد أبي بكرٍ الصّديق:
وكانت هذه المرحلة في عهد أبي بكرٍ الصّديق رضي الله عنه، فقد كان لاستشهاد الكثير من الصحابة من حفظة القرآن الكريم في معركة اليمامة الأثر الكبير في الخليفة أبي بكرٍ الصّديق رضي الله عنه، وعندما بلغه خبر استشهادهم كان عمر بن الخطاب جالساً عنده، فأشار عليه بجمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ خوفاً عليه من الضياع، بدايةً لم يوافق أبو بكرٍ الصديق، إذ لم يُرد أن يقوم بما لم يقم به النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكن بقي عمر وراءه حتى أقنعه بهذه الضرورة، فبدأ بجمع القرآن الكريم من صدور الصحابة والعسف والرقاع وقطع اللخاف في مصحفٍ واحدٍ.
في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
حيث كان جمع القرآن على حرفٍ واحدٍ بعدما كان يُقرأ على سبعة أحرفٍ في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وعهد أبي بكر الصديق، ويرجع السبب في جمع القرآن إلى اتساع الدولة الإسلامية في عهد عثمان رضي الله عنه، ودخول الناس في الإسلام أفواجاً من كلّ حدبٍ وصوبٍ، ممّا أدّى إلى اختلاف القرّاء، فقام الناس بمراسلة الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وناشدوه بجمع الكلمة، قبل أن يتفاقم الأمر، بالإضافة إلى قدوم حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- من غزوة أرمينية، ومخاطبته بأمر الجمع أيضاً، فما كان من عثمان -رضي الله عنه- إلّا أن استشار المهاجرين والأنصار في جمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ على حرفٍ واحدٍ، فوافقوا على ذلك، فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها، وطلب منها إرسال الصحف التي عندها؛ لينسخها في مصاحف، فأرسلتها، وأمر زيد بن ثابت والرهط القرشيين فنسخوها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار، وأمر بحرق ما سوى ذلك من المصاحف.
مواقف الصحابة من جمع القرآن الكريم:
بعد أن أمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بنسخ المصاحف، استجاب الصحابة كلّهم لأمره، وأيّدوه على ذلك، إلّا ما كان من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ حيث أنكر ذلك في بداية الأمر؛ لأنّ الخليفة عثمان بن عفان اختار زيد بن ثابت بسبب الميزات التي يمتلكها لكتابة المصاحف ولم يختاره هو، ولكن سرعان ما رجع ابن مسعود رضي الله عنه، وأقرّ ما فعله عثمان، وأجمع الصحابة على موافقته، وممّا نُقل من أقوال الصحابة تعليقاً على جمع القرآن، قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت بالمصاحف كما فعل عثمان).