المُقدمة
“الدستور هو حجر الأساس لأي نظام ديمقراطي، فهو رؤية وفكر ومسئولية وليس وجبة سريعة التحضير.”
هكذا قال عنه الدكتور محمد البرادعي وقد صدق فيما قاله، فلا فائدة من وجوده طالما أنه لا يؤخذ به ويبقي اسماً لا موضوعاً.
بدايةً لا أحد يجهل ما هو الدستور ولا أن قانونه هو أسمى قانون في الدولة فنحن نسمع كثيراً أن الدستور يقول هذا وذاك وأن هذا المبدأ مبدأ دستوري فلا يجوز مخالفته وما إلى ذلك، ولكن ما يجهله الكثير منا هو الوعي بالمفهوم العلمي له وأصله وأنواعه… الخ.
كلمة دستور، ليست عربية الأصل بل هي كلمة فارسية مركبة من كلمتين: دست وتعني”قاعدة” و “ور” وتعني صاحب وبذلك يكون المعني الحرفي لها هو “صاحب القاعدة”.
ويُرجح أنها دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية ويقصد بها النظام أو التأسيس.
ويُعرف وفقاً للمبادئ العامة للقانون الدستوري على أنه مجموعة المبادئ الأساسية التي تبين شكل الدولة (بسيطة أم اتحادية) ونظام الحكم فيها(ملكيٌ أم جمهوريٌ) وتنظيم السلطات السياسية في الدولة وعلاقة الحكام بالمحكومين، وبيان حقوق الأفراد والضمانات لهذه الحقوق.
ونظراً لكونه أسمى قانون في الدولة فيجب أن تصدر بقية القوانين وفقاً له، فتتقيد القواعد الأدنى به وإلا عُدت غير دستورية.
معايير تعريف القانون الدستوري (قانون الدستور)
تباينت معايير تعريف القانون الدستوري لدى الفقهاء تبعاً للمعيار الذي استند عليه كل اتجاه وفي هذا الصدد يوجد أربع معايير:
– المعيار اللغوي.
– المعيار الموضوعي.
– المعيار الشكلي.
– المعيار الأكاديمي
أولًا: المعيار اللغوي
يُعرف القانون الدستوري وفقاً لهذا المعيار على أنه مجموعة القواعد القانونية التي تحدد أسس الدولة وتبين تكوينها وتحدد نظامها.
فهو القانون الذي يحدد شكل الدولة وينظم شؤونها داخلياً وخارجياً فيبين علاقة سلطاتها فيما بينها واختصاصاتهم.
وقد أخذ بهذا المعيار العديدُ من فقهاء القانون الإنجليزي فهم لا يفرقون بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويعتبرون أن الإداري جزء من الدستوري.
ومن هنا يتضح لنا عيوب هذا المعيار من كونه يؤدي إلى الخلط بين القانون الدستوري وغيره من فروع القانون الأخرى، حيث إنه يجعل منه مادة واسعة لدراسة ليس فحسب شكل الدولة ونظام حكمها بل أيضاً دراسة الاختصاصات التي تعني بها القوانين الأخرى.
ورغم ذلك فإننا نتفق معهم في أنه يصعب الفصل بين القانون الدستوري والقانون الإداري فهذا الأخير جزء لا يتجزأ من القانون الدستوري.
ثانيًا: المعيار الشكلي
وفقاً لهذا المعيار يُعرف على أنه مجموعة القواعد القانونية المنصوص عليها في وثيقة الدستور والتي تضعها هيئة خاصة ويطلق عليها اسم السلطة التأسيسية ويتبع في وضع وتعديل هذه القواعد إجراءات معينة تختلف عن المتبعة في القوانين العادية.
فيتضح من تعريفنا له أن هذا المعيار يستند إلى نصوص الدستور نفسه والجهة التي أصدرته والقواعد التي اتبعت في وضعها وتعديلها ، فالقانون الدستوري هو ما اشتمل عليه دستور الدولة.
ويعود ظهور هذا المعيار إلى انتشار حركة تدوين الدساتير وكان أولها سنة 1787 بظهور دستور الولايات المتحدة.
مزايا المعيار الشكلي:
– البساطة والوضوح في تحديد مواضيع القانون الدستوري.
– إضافة نوعٍ من الجمود إلي نصوص الدستور حيث أنه يتطلب لتعديلها إجراءات خاصة تختلف عن إجراءات تعديل القوانين العادية.
– سمو القواعد الدستورية عن غيرها من القواعد القانونية الأخرى.
عيوب المعيار الشكلي:
– من أهم عيوب هذا المعيار أنه يؤدي إلى عدم وجود دستور في الدول التي تعتمد علي دستور عرفي كإنجلترا وليس لها دستور مكتوب.
– يقتصر في تحديد القانون الدستوري علي ما ورد بوثيقة الدستور.
ثالثًا المعيار الموضوعي
الدستور هو مجموعة القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية سواء كان مصدرها الوثيقة الدستورية أو العرف أو نظمت بقوانين عادية.
فيستند هذا المعيار في تعريفه للدستوري على جوهر القاعدة القانونية ذاتها لا جهة إصدارها أو إجراءات صدورها.
وبالطبع اختلف الفقهاء في تحديد المواضيع ذات الطبيعة الدستورية إلا إنه يمكن إجمالها في:
– أنظمة الحكم: فالقانون الدستوري يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها.
– تنظيم سلطات الدولة: فالقانون الدستوري فن تنظيم السلطة، فيبين كيفية تشكيلها و اختصاصاتها وعلاقة السلطات فيما بينها.
– الحريات العامة: فهو أداة لتنظيم الحقوق و الحريات العامة.
و يأخذ اغلب الفقهاء بهذا المعيار لتعريف القانون الدستوري إلا إنه يعاب عليه في أنه يغفل بعض الموضوعات ذات الطبيعة الدستورية حسب أهواء السلطة الحاكمة، باعتبارها هي التي تقوم بتحديد المواضيع الدستورية فتدخل وتخرج فيها ما تريد حسب ما يتفق مع مصلحتها.
رابعًا: المعيار الأكاديمي
بالطبع للمنهج الجامعي أثر لا يُستهان به في تحديد مفهوم القانون الدستوري.
ويعتمد هذا المعيار في تعريفه للقانون الدستوري على أساس تحديد مركزه بين فروع القانون العام الداخلي باعتباره منها، فهو يوضح علاقة الدولة باعتبارها صاحبة السيادة بأفراد المجتمع.
و المعايير السابق ذكرها تشكل حياة الدستور، وبناء الوعي الثقافي لدينا فهي ليست مجرد عبث يُذكر.
اقتباس اليوم
“إنها لوحة تحتاج إلى رتوش قليلة.” توماس جيفرسون