القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كلام الله -سبحانه وتعالى- الحاصل به الإعجاز.
وقد أنزله الله -تعالى- على خاتم أنبيائه ورُسُله سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
نزل بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السّلام، وقد نُقِل القرآن الكريم بالتواتر.
وهو مُتَعبَّد بتلاوته، مبدوء بسورة الفاتحة، ومختوم بسورة النّاس.
وقد حفظه الله -تعالى- من الضياع والتحريف، ومن الزيادة والنقصان.
من خصائصه أنّه يسير القراءة، سهل الحفظ، وهو خاتم الرّسالات السماويّة،
ومعجزة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الكبرى الخالدة.
قد تكفَّل الله -سبحانه وتعالى- بحفظِه من التّحريف والتبديل.
فقد كانت محاولات التّحريف عديدةً، وسورة النّصر إحدى سور القرآن الكريم العظيمة.
وفي هذه المقالة إشارة إلى أبرز ما يتعلّق بهذه السورة من معانٍ تفصيليّة، وأسباب نزولها.
تعريف سورة النصر
تُعتبر سورة النصر من السور المدنية التي وقع إجماع العلماء على مدنيتها، وعدد آياتها ثلاث آيات وهي: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
هي من قصار السور، وعَدد كلماتها سبع عشرة كلمة، وعدد حروفها سبعةٌ وسبعون حرفاً.
ويُطلق عليها سورة التوديع، ويأتي ترتيبها من حيث النزول بعد سورة التوبة.
أمّا ترتيبها في المُصحف فهو بعد سورة الكافرون،
وتتناسب معها في أنّ الأولى جاء فيها ذكر لاختلاف دين النبي صلى الله عليه وسلم والذي يدعو إليه
عن دين الكفار الذي يصرون ويعكفون عليه.
معاني في سورة النصر
على الرّغم من قِصَر سورة النّصر وقلّة عدد آياتها التي هي ثلاث آياتٍ فقط؛
إلاّ أنها اشتملت وحملت في طيّاتها العديد من المعاني، ومن تلك المعاني:
- البُشرى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصر الله تعالى، ودخول النّاس في دين الله أفواجاً،
وتوجيه النبي الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- بالتّسبيح والاستغفار وحمد الله على كرمه وفضله
حين يتحقّق نصر الله وكرمه وفتحه واجتماع النّاس جميعاً على دين التوحيد وعلى رسالة الإسلام السَمحة.
تكشف في الوقتِ ذاته عن العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلاميّة، وما تتميّز به من منهجٍ ربانيٍ قويم؛
ذلك أنّها عقيدةٌ وشريعةٌ ربّانية المصدر، والمدى الذي يبلغ بجميع البشريّة من الرّفعة والكرامة والسؤدد،
وبلوغ القمّم التي لم تبلغها البشريّة أبداً إلا في ظل الإسلام. - إيذان وإعلامٌ بأداء النّبي الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- للرّسالة العظيمة.
هي رسالة الإسلام السمحة التي بُعث لأجلها، وانتهاء المَهمّة الربانية التي كُلِّف بها،
وتوجيهٌ ربانيٌ للرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- بالتأَهُّب والتجهُّز للرحيل ومداومة ذكر الله،
بالتسبيح تارةً، والحمدِ تارةً، ومداومة الاستغفار.
وقت نزول سورة النصر
تعددت الأقوال عند أهل العِلم في وقت نزول سورة النصر؛ فقد ورد عن الصحابي عبد الله بن عُمر بن الخطاب -رضيَ الله عنهما- أنّ سورة النصر نزلت بمِنى في حجّة الوداع، ثم نزل بعدها قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ، وقد عاشَ رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم- بعدها ثمانينَ يوماً؛ ولذلك فإنها تُسمّى سورة التوديع
فقد فسّر الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس -رضيَ الله عنهما- سورة النصر فقالَ في تأويلها إنّها دلالة على اقتراب ودنوّ أجل رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم-. وقد جاء عن بعض أهل العلم أنّ هذه السورة أي سورة النصر نزلت بعدَ رجوع الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- من غزوة حُنين، وقال بعض العلماء إنّ سورة النصر نزلت في زمن غزوة خيبر؛ فكانَ النصر بعد ذلك لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والفتحُ المُبين العظيم في يوم فتح مكّة.
سبب نزول سورة النصر:
فيها الوعد الإلهي للنبي محمد بالفتح المبين الذي تم ذكره في سورة الفتح، دون قتال خشية أن يقتل المسلمون من لا يعلمون بإسلامه، فدخل النبيّ وصحابته فاتحين مكّة بلا قتال أو دماء، حتّى روي عنه صلّى الله عليه وسلّم بأنّ عمامته كادت أن تلامس رأس ناقته لشدّة تواضع النبيّ لله في هذا اليوم الميمون، وشكره على كرمه وفضله وكسرت الأصنام التي كانت حول الكعبة آنذاك، وتمّ تطهير الكعبة وما حولها وصعد بلال وأذّن فوق الكعبة ففرح المسلمون، واغتبطوا لهذا النصر المبين وآخى النبيّ بين المهاجرين والأنصار.
وفيه دخل الناس في الإسلام أفواجاً وعفى النبي عمن بقي على دينه فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، ومنذ ذلك اليوم بدأت الدولة الإسلاميّة تنحو منحىً آخر في مراحلها فمن القبيلة والعصبية القبلية إلى الدولة الإسلامية المُنظمة، التي أقامت الرابطة بين الناس على أساس الدين قبل كي شيء وجميعهم سواسية عند الله وتبقى الأفضلية للتقوى مصداقاً لقوله تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ“، دوله لها قوانينها التي تنظمها ودستورها السماوي الخالد، نظمت حياة الناس بل أيضاً نظمت علاقاتها مع غير المسلمين من قبائل الجزيرة والممالك الأخرى التي كانت قائمة آنذاك.
هل سورة النصر تعادل ربع القرآن؟
ربع القرآن فهي أحاديث ضعيفة لا يستدل بها، والصحيح أن السورة التي تعادل ربع القرآن هي سورة الكافرون، فقد روي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن” وقال الألباني في هذا الحديث: صحيح دون فضل زلزلت.
وقيل أن سورة الكافرون تعادل ربع القرآن لأن القرآن يشتمل في آياته أحكام الشهادتين وأحوال النشأتين، وسورة الكافرون تتضمن البراءة من الشرك، لذلك فهي تعادل ربع القرآن الكريم
تفسير سورة النصر
يقول الله تعالى لنبيه الكريم أنه إذا جاءك النصر على قومك من قريش، وفتحت مكة ورأيت الناس من جميع صنوف العرب وقبائلها يدخلون في دين الله الذي أرسلك به زمرًا أي: (فوجًا فوجًا) فسبح ربك وعظمه بحمد وشكره على ما قد أنجزه لك من وعده.
وقد قل أيضًا في تفسير ” إذا جاء نصر الله والفتح” إنها إشارة باقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سألهم عن قول الله تعالى : [ ص: 669 ] ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قالوا : فتح المدائن والقصور ، قال : فأنت يا بن عباس ما تقول : قلت : مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت إليه نفسه .
– ثم يذكر الله تعالى نبيه أن يسأله غفران ذنوبه، فهو تعالى ذا رجوعٍ لعبده المطيع إلى ما يحب، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء إلا وقال “سبحان الله وبحمده، أستغفره وأتوب إليه”.
فوائد سورة النصر
- من أعظم ما يستفاد من سورة النصر، أن على الإنسان أن يتذكر دائمًا أن أعظم نصرٍ له أن ينتصر على نفسه وأهوائه، فحين انتصر المسلمون على أنفسهم نصرهم الله على أعدائهم وكتب لهم العزة.
- الفتح العظيم هو أن يتح الله عليك وعلى قلبك بالتوبة ودوام الاستغفار وذكر الله في جميع أحوالك.
- على الإنسان دائمًا ألا يزهو بعمله ويظن أنهله الفضل في النجاحات والنصر، فها هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو أزكى الناس عملًا وأخلصهم نهجًا يذكره الله تعالى بالحمد والاستغفار ” فسبح بحمد ربك واستغفره”
- الحرص على ختام أعمالك بالاستغفار دائمًا.