هجرة الحبشة الأولى | السيرة النبوية
بداية الدعوة الإسلاميّة : تعرّض النّبي عليه الصّلاة والسّلام ومن آمن معه في بداية الدّعوة الإسلاميّة إلى كثيرٍ من الأذى والاضطهاد من قبل قريش وصناديدها، وظهرت مظاهر التّضييق عليهم في أكثر من جانب من جوانب الحياة، فمنهم من أوثق رباطه وحبس في بيته، ومنهم من عذّب حتّى يعود عن دينه، وعندما رأى النّبي عليه الصّلاة والسّلام تلك المعاناة التي يعانيها المسلمون أذن لهم رحمةً بهم بالهجرة إلى الحبشة.
الهجرة الأولى للحبشة : يُدرك أصحاب الدّعوات والرّسالات أنّ طريق الدّعوة ليس مفروشاً بالورود والرّياحين، بل يحتاج إلى بذلٍ وتضحيةٍ لتحقيق مراده وتبليغ شرائعه، وقد ضحّى أنبياءُ الله جميعاً -عليهم السّلام- لأجل هذه الغاية، وهاجر منهم من هاجر، وأوذي منهم من أوذي، ولم يكن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بِدعاً من الرُّسل، فقد واجه صنوفاً من الأذى من مُشركي قريش في مرحلة الدعوة المكيّة، كما اجتمعت على أصحابه -رضي الله عنهم- الذين آمنوا بدعوته ابتلاءات كثيرة، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله -تعالى- وما ضعفوا، بل ثبتوا في كلّ ميادين التّضحية، وكان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يتألّم لألم أصحابه رضي الله عنهم، ولأجل ذلك وجّههم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للهجرة إلى الحبشة حتى يأذن الله -سبحانه- بالفرج على الدّعوة وأنصارها؛ فمتى كان ذلك، ولماذا الحبشة على وجه التحديد!
هجرة الحبشة الأولى : بعد أن أصبح واضحاً لقريش أنّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ثابت على دعوته ومبدائه، وقد أجمعت عشيرته على حمايته، وبعد أن فشلت محاولاتهم في صدّه عن دعوته، انتقلوا إلى مرحلة جديدة في الصدّ عن سبيل الله بتعذيب المؤمنين، وقتلهم، واضطهادم، حتى شعر رسول الله بخطورة الموقف، وأراد تخفيف المعاناة على أصحابه، فاختار لهم الهجرة إلى الحبشة؛ لأنّ فيها ملك لا يظلم عنده أحد، ولأنّها سوق من أسواق قريش التجارية، فتجهّزالصحابة للهجرة، وقبلوا ترك الأهل، والأموال، والوطن في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وكان ذلك في شهر رجب، فخرج من الصحابة -رضي الله عنهم- أحد عشر رجلاً، وأربع نسوة، وكان منهم: عثمان بن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، وزوجته أم سلمة بنت أميّة، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عُمير، والزبير بن العوّام رضي الله عنهم جميعاً، وسرعان ما وصلت الأخبار إلى قريش فخرجوا ليلحقوا باالمهاجرين ويمنعوهم، إلّا أنّهم لم يلحقوا بهم؛ لأنّهم كانوا قد ركبوا في السفينة وأبحروا متجهين إلى الحبشة.