السنن المهجورة للنبي صلى الله عليه وسلم
السنن المهجورة هي الأفعال والأقوال والأعمال التي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يفعلها بانتظام في حياته اليومية، ولكنها تم تهميشها أو تجاهلها من قبل الناس في العصور اللاحقة في الشريعة الإسلامية، وتشير كلمة “السنة” إلى تعاليم النبي محمد وسلوكه وأفعاله وقوله، وتنقسم إلى سنن مؤكدة (مثل الصلاة الخمس والصوم في رمضان) وسنن غير مؤكدة (مثل الصلاة قبل الظهر).
وفي هذا المقال سنعيد إحياء هذه السنن وتذكيركم بها فيما يلي.
ما هي السنن المهجورة للنبي في الإسلام؟
هناك العديد من السنن المهجورة التي هجرها بعض الناس وهي مفيدة للمسلمين فهي تجعلنا إلى الله أقرب، كما تحافظ على التراث الإسلامي والسُنة النبوية من الضياع والهجر، بالإضافة إلى نيل المزيد من الأجر والثواب، تشمل:
السنن المهجورة في الصلاة:
يشير هذا إلى الأعمال والأدعية والأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتاد القيام بها قبل أو بعد الصلاة، ولكنها غالبًا ما تُهمل في العبادة اليومية، ومنها:
1- التكبيرة الأولى (تكبيرة الإحرام):
من السنن المهجورة في الصلاة تكبيرة الإحرام، وهي التكبيرة التي يبدأ بها المصلي الصلاة. يُفضل رفع اليدين مع التكبيرة، وهناك حديث صحيح يدل على ذلك، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ بِتَحْرِيمِ الصَّلاَةِ” (رواه مسلم).
2- قراءة سورة الفاتحة وسورة أخرى بعد الفاتحة:
من السنن المهجورة في الصلاة قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة، وقراءة سورة أخرى بعد الفاتحة في الركعات الثانية من الصلاة. يدل على ذلك حديث في الصحيحين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” (متفق عليه).
3- الركوع والسجود بالتأني والاعتدال:
من السنن المهجورة في الصلاة الركوع والسجود بالتأني والاعتدال، وعدم الانفعال والتسرع فيهما. يدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ركعت فاركعوا، وإذا سجدتم فاسجدوا، وإذا قلتم: “سمع الله لمن حمده” فاقولوا: “ربنا ولك الحمد”، وإذا سجدتم فأكثروا في السجود، فإنكم إذا سجدتم اليسرى وجه الشيطان” (رواه مسلم).
4- التشهد الأخير:
من السنن المهجورة في الصلاة التشهد الأخير، وهو الجلوس التشهد في الركعة الأخيرة من الصلاة. يدل على ذلك حديث صحيح حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَتَيْتَ الْتَشَهُّدَ فَأَتَمَّهُ، فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ تَمَامًا، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَ التَّشَهُّدَ قَائِمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فِي صَلَاتِهِ فَأَخْطَأَ، فَإِذَا انْتَهَى فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ سُجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ” (متفق عليه).
السنن المهجورة في الأكل والشرب:
يمكن أن تشمل هذه السنن عادات صحية وتوجيهات تغذية ونمط حياة صحي، مثل تناول الطعام باليمين والشرب بالثلاث مرات، والاعتدال في الأكل والشرب، وهي كالتالي:
1- بسم الله قبل البدء بالأكل:
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمر بذكر اسم الله قبل البدء بالأكل، وهو ما يُعرف بـ “بسم الله”. يُظهر ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله في أوله ولا يتنفس في الإناء فإن أحدكم إذا شرب فلا يشرب في وسط الإناء” (رواه البخاري ومسلم).
2- تناول الطعام باليمين:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على تناول الطعام باليمين. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله” (رواه مسلم).
الشكر بعد الانتهاء من الأكل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالشكر بعد الانتهاء من الأكل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أَشبَعَ أحدٌ آدميٌ وعاءً شرًّا من بطنِه، فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنَفَسِه” (رواه الترمذي وابن ماجه).
3- الاعتدال في الأكل:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الاعتدال في الأكل، وعدم الإسراف أو التقصير. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما مَلأَ آدمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنِهِ، حَسبُ ابنِ آدمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنَ صَلْبَهُ، فإن كان لا مَحالة، فثُلثٌ لطَعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنَفَسِهِ” (رواه الترمذي وابن ماجه).
السنن المهجورة في النوم والاستراحة:
يُمكن تضمين هذه السنن عادات النوم السليمة والتوجيهات للراحة، مثل الاستيقاظ في وقت السحور والاستعاذة قبل النوم، ومنها أيضًا:
الاستعاذة قبل النوم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بالله قبل النوم من الشيطان وما يضره، كما جاء في الحديث: “إذا أتيت فراشك فتوضأ وأضع يمينك تحت خدك وقل: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك” (رواه البخاري).
الوضوء قبل النوم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على أن يكون المسلم في حالة طهارة قبل النوم، ويتوضأ إذا كان غير متوضئٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أتيت مضجعك فتوضأ وبسم الله وضع شمالك على عواتقك” (رواه البخاري).
الاستلقاء على الجانب الأيمن:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الاستلقاء على الجانب الأيمن عند النوم، كما جاء في الحديث: “إذا أويت إلى فراشك فاضطجع على جنبك الأيمن” (رواه البخاري ومسلم).
قراءة الأذكار قبل النوم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بقراءة الأذكار المشروعة قبل النوم، كما جاء في الحديث: “من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت” (رواه النسائي).
السنن المهجورة في الأدب والتعامل الاجتماعي:
تتعلق هذه السنن بالأخلاق الإسلامية والتصرفات الصالحة في التعامل مع الآخرين، مثل الابتسامة وإعطاء التحية والصدق في الكلام، ومنها أيضًا:
الابتسامة وإظهار الود:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الابتسامة وإظهار الود في التعامل مع الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة” (رواه الترمذي).
إعطاء التحية:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بإعطاء التحية عند لقاء الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “السلام قبل الكلام” (رواه الترمذي).
الصدق في الكلام:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصدق في الكلام وعدم الكذب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا” (متفق عليه).
حسن المعاشرة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بحسن المعاشرة وحسن التصرف مع الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من شيء يوزن في الميزان أثقل من حسن الخلق” (رواه الترمذي).
السنن المهجورة في العبادات الأخرى:
يمكن أن تشمل هذه السنن الأذكار والأعمال الصالحة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد عليها ويمارسها بانتظام، مثل قراءة الأذكار بعد الصلوات وفي الأوقات المحددة، وهي كالتالي:
قراءة الأذكار بعد الصلوات:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بقراءة الأذكار بعد الصلوات، مثل قول: “سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ” ثلاث مرات، وقول: “اللهُمَّ أَنتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ” ثلاث مرات، كما جاء في الحديث: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ” ثم قال: “غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (متفق عليه).
الذكر في الأوقات المحددة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بذكر الله في الأوقات المحددة، مثل الذكر بعد الصلوات وقبل النوم وعند الاستيقاظ من النوم، كما جاء في الحديث: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (متفق عليه).
أهمية الالتفات إلى السنن المهجورة
إن الالتفاف حول سنن النبي صلى الله عليه وسلم وإحيائها في الحياة اليومية لها العديد من المميزات والأهمية لنا كمسلمين، فهي وسيلة للتقرب إلى الله ورسوله، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي.” (رواه مالك وأحمد والدارمي)”. وتكمن أهمية الالتفات إلى السنن المهجورة عدة جوانب:
التقرب إلى الله: اتباع السنن المهجورة يعد وسيلة للتقرب إلى الله والسير على خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله في القرآن باتباع سنة رسوله، حيث قال تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (آل عمران: 31).
الحفاظ على التراث الإسلامي: تتضمن السنن المهجورة جزءاً من التراث الإسلامي، والتمسك بها يعزز الوعي بالتراث الديني ويحافظ عليه من الاندثار.
الحفاظ على الهوية الإسلامية: اتباع السنن المهجورة يساهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتعزيز الانتماء للدين والتقاليد الإسلامية.
الفضيلة والثواب: تحمل السنن المهجورة قيمًا ومبادئ فضيلة، واتباعها يجلب الثواب والنجاح في الدنيا والآخرة. عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ سُنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سُنِّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا” (رواه مسلم).
بالاستمرار في الالتفات إلى السنن المهجورة، يمكن أن نستعيد جزءاً من الروح الإسلامية ونعيد تفعيل عادات وتقاليد النبي صلى الله عليه وسلم، مما يسهم في تحسين الحياة الدينية والاجتماعية للمسلمين، ولذا لا يجب ترك هذه السنن، وفي السطور التالية نتناول تأثيرات هجر السنن النبوية.
ما هو تأثير هجر السنن النبوية؟
قد يظن البعض أن ترك سنن النبي ليس له أي عواقب عليه طالما يقوم بتأدية العبادات الأساسية، ولكن هناك عقوبات روحية ملحوظة لترك السنن المهجورة تشمل عدة نتائج سلبية قد تؤثر على الفرد دينيًا وروحيًا، وقد وردت في الأحاديث النبوية دلائل على ذلك، منها:
ضياع الثواب والقرب من الله: ترك السنن المهجورة يؤدي إلى ضياع الثواب الذي كان متوقعاً من أدائها، وقد ورد في الحديث: “من ترك سنة من سنتي فقد لا يرجى الشفاعة مني” (رواه مسلم). وهذا يعني أن الفرد قد يفقد فرصة الشفاعة في الآخرة بسبب ترك السنن.
التبعد عن النبوة والسنة: ترك السنن المهجورة يعني التبعد عن مثل قدوة النبوة واتباع سنته، مما قد يؤدي إلى ضعف الايمان والانحراف عن الطريق الصحيح. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار” (سورة المائدة: 72).
ضياع البركة في الحياة: ترك السنن المهجورة قد يؤدي إلى ضياع البركة في الحياة ونقص الرزق والنجاح في الأمور. عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه” (رواه البخاري).
في النهاية
يجب أن ندرك أهمية السنن المهجورة في حياة المسلم وتأثيرها على العبادة والتقوى، فإذا كانت هذه السنن قد تركت بلا انتباه، قد تؤدي ذلك إلى تقليل الروحانية والتبعد عن سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لذا ينبغي علينا أن نسعى جاهدين للتمسك بهذه السنن وتطبيقها في حياتنا اليومية، وأن نسعى لتعويض ما تركناه منها بالتوبة والاستغفار وزيادة العمل الصالح.
وإقرأ أيضًا: السنه النبويه وموقفها من القضايا الشخصية والاجتماعية